السبت 2017/02/18

آخر تحديث: 10:59 (بيروت)

"يا عمر الزعني وينك؟"

السبت 2017/02/18
increase حجم الخط decrease
تحت عنوان "يا عمر الزعني وينك؟"، احتفل مقهى "تاء مربوطة" في بيروت بالذكري الـ56 لرحيل "شاعر الشعب" عمر الزعني، وخصّصت "إذاعة لبنان" في هذه المناسبة يوماً إذاعياً لذكرى هذا الفنان قدمت خلاله شهادات عديدة، مع مختارات من قصائده وأغانيه الانتقادية وبرامجه الإذاعية، وأعلنت إطلاق برنامج إذاعي درامي بعنوان  "عمر الزعني واليوم"، يعدّه الدكتور وجيه فانوس.


مَن هو عمر الزعني الذي يصفه البعض بـ"موليير الشرق"؟ وماذا نعرف عنه اليوم؟
في شباط/فبراير1953، استضافت مجلة "الموعد" الفنان الشعبي ضمن زاوية "سين وجيم"، ووجهت إليه سلسلة من الأسئلة بغرض التعريف به. قال الضيف أن اسمه الكامل عمر محمد الزعني، مواليد بيروت 1895، درس الحقوق، وعُيّن مديراً للكلية الإسلامية في العاصمة اللبنانية، وأعدّ نفسه ليكون محامياً، لكنه طرد من معهد اليسوعية في اليوم الذي كان مقرّراً ليتقدّم فيه لامتحان الحقوق، بسبب إنشاده أغنية عنوانها "حاسب يا فرنك". وهذه الأغنية هي في الواقع مونولوغ ألقاه العام 1923 في مسرح سينما الكريستال في سوق النورية، منتقداً فيه محاولة فرنسا إنقاذ عملتها المتدهورة آنذاك.

تخلّى الزعني عن دراسته، واحترف الفن، وعندما عرف والده بذلك قال له بالحرف الواضح: "يا ضيعانك ويا خسارة عِلمك يا عمر، صرت مهرّج". كانت أوّل أغنية أنشدها "الدنيا قاعدة والشعب غافل"، وفيها هاجم تقرير الوصاية والحماية على لبنان، واضطرّ للاختباء وراء اسم مستعار، "حنين"، وهو اسم مطرب قديم يغني النوع نفسه الذي ابتدعه كما يقول. من بيروت، سافر الفنان إلى القاهرة العام 1927، وعاد إليها ثانية بعد عامين، وسجّل خلال هاتين الرحلتين سلسلة من الأسطوانات باسم "حنين" لحساب شركة أوديون، ويمكن القول أن هذه الاسطوانات تشكّل ميراث الزعني الأوّل. في العام 1935، سافر الزعني للمرة الثالثة والأخيرة إلى القاهرة "بناء على طلب المرحوم طلعت حرب باشا للظهور في فيلم من انتاج ستديو مصر"، لكنه لم يظهر في هذا الفيلم، لأن بعض المصريين نظروا إليه "نظرة إقليمية".

استمرّت إقامة الزعني في العاصمة حتى العام التالي كما يبدو. ,بحسب ما ورد في مجلة "المصور" في تموز/يوليو، شارك الفنان في احتفال أُقيم على شرف مؤسس بنك مصر في المحلة، "وأطرب المدعوين بأزجاله الحماسية الظريفة"، ومنها زجل مطلعه: "طلعت حرب من غير حرب/ أغنى الشرق عن الغرب"، وأخرى تقول: "المحلة المحلة زي العروسة بتتجلّى/ تتجلّى بفباركها رب السما يباركها/ ويحميها من الحسّاد". ويبدو أن الزعني انتقل بعد فترة وجيزة إلى سوريا في احتفال ثان بطلعت حرب، أقيم في معرض دمشق، ورافقه يومها المطرب اللبناني محمد بكار. بحسب "المصور"، حاز الفنانان إعجاب الحاضرين، وأعربت شركة مصر للتمثيل والسينما عن رغبتها في انتاج "اسكتشات غنائية صغيرة اسوة بالاستكشات الغنائية الكبيرة التي تنتج للجوقات الموسيقية الافرنجية والتي تعرض في أول البرامج قبل عرض الأفلام الكبيرة الأخرى".

عاد الزعني إلى لبنان، واشتهر بمونولوغاته اللاذعة في زمن الحرب العالمية الثانية. ومع نهاية هذه الحرب، انتهى زمن الانتداب الفرنسي على لبنان، وبدأ عهد الحكومات الوطنية الاستقلالية، فعمد إلى انتقاد سيئاتها في مقطوعات مطوّلة، وعندما طالب بعض النواب بالتجديد للرئيس بشارة الخوري، ألّف أغنيته "جدّدلو ولا تفزع/ خليه قاعد ومربع/ بيضل أسلم من غيرو/ وأضمن للعهد وأنفع/ لا تخاف إلا الطفران/ الطفران غلب السلطان/ والمحروم والجوعان/ بيضل بمالك طمعان/ اما المليان والشبعان/ من لقمة صغيرة بيشبع". انتشرت هذه الأغنية انتشاراً كبيراً، وأثار هذا النجاح حفيظة الشيخ بشارة الخوري، فأمر بسجن صاحبها مدة ستة أشهر. قضى الزعني في السجن أربعين يوما، ثم صدر العفو الجمهوري عنه، فزاره الوزير حبيب ابو شهلا وطلب منه أن يذهب إلى الرئيس ويصالحه، وهكذا كان. كتبت مجلة "الصياد" في تموز-يوليو 1950: "زار مندوبنا الشاعر الشعبي الأستاذ عمر الزعني في منزله، حيث يستقبل كل يوم عشرات الزائرين الذين يهنئونه بخروجه من السجن، وقد قال الزعني لمندوبنا أنه نظم أغنيات جديدة خلال وجوده في السجن ويستعدّ قريباً لإحياء الحفلات التي تعوّد أن يحييها في مواسم الاصطياف. ويقول أيضا إنه لم يصادف في السجن أي عناء فقد كان يعامل معاملة طيبة من المشرفين على إدارة السجن، ولولا أنه كان مقيّدا ضمن جدران أربعة لما شعر أنه مسجون".

واصل الزعني مشواره، منتقداً الانتخابات والتزوير وأولاد الذوات، ولم يتعرّض لأي مضايقة، رغم كل العواصف التي أثارها. على العكس، حصد الفنان الشعبي في هذه الفترة من حياته نجاحاً واسعاً، وبات وجهاً من وجوه البلاد الاجتماعية والفنية. في منتصف آب/أغسطس1951، كتبت مجلة "الصياد": "قال لنا الأستاذ عمر الذعني ان كارثة البلاد بمصرع رياض بك الصلح جعلته يعدل برامج حفلاته لهذا لصيف تعديلاً تاماً، وهو ينصرف الآن لإعداد القصيدة الشعبية التي سيرثي بها الزعيم الخالد في ذكرى الأربعين". وفي مطلع 1953، كتبت سامية ديب بيضون في هذه المجلة خاطرة طالبت فيها بعودة "زعيم النقد الغنائي الساخر الأستاذ عمر الزعني إلى ميكروفون الإذاعة ليتذوّق الجمهور أغانيه الشعبية الطريفة المسلية التي تستمدّ مواضيعها من صميم الحياة"، وأضافت: "نحب أن نسأل عن موعد عودة الزعني إلى جمهور المستمعين الذي ينتظره بفارغ لصبر، وكل ما نخشاه أن تكون لجنة التطهير قد حذفت اسم هذا الفنان الكبير واستغنت عن خدماته". تابعت المجلة هذه القضية، ونقلت في شباط/فبراير1953 خبراً يقول: "علمنا من مصدر مضطلع به أن التنظيم الجديد لمحطة الإذاعة قد يعيد الفنان الأستاذ عمر الزعني إلى منصب مستشار فني لمحطة الإذاعة، أي أنه سيعود إلى المنصب نفسه الذي كان يشغله في العهد الماضي قبل أن ينشد أغنية "جددلو" ويُزج في سجن الرمل من اجلها". هكذا عاد عمر الزعني ليغني في الإذاعة، وهلّلت "الصياد" لهذه العودة، وقالت في تعليق قصير: "عاد بنا الأستاذ عمر الزعني عشرين سنة إلى الوراء، واستمعنا إلى "اركب شختورة وامشي"، و"نزّل الياطر لا تعاند ولا تكابر".

واصل الزعني عمله الإذاعي، وعندما أنشئ التلفزيون، ألّف رباعياً فنياً مع الشعراء أسعد سابا وأسعد السبعلي وعبد الجليلي وهبي، وقدّم معهم برنامجاً حمل عنوان "ألوان من لبنان"، إلى أن وافته المنية اثر نوبة قلبية فاجأته في منزله في الثامن من شباط/فبراير1961. بعد بضعة أشهر، نشر الموسيقي توفيق باشا في مجلة "الشبكة" بعنوان "مَن أطلق الأغنية اللبنانية إلى العالم العربي"، واستهلّ الكلام بالحديث عن الزعني، وكتب في تقييم تجربته: "كان في مقدمة الذين أطلقوا الأغنية اللبنانية المرحوم عمر الزعني. كان عمر، رحمه الله، شاعراً انتقادياً، وملحناً وشانصونييه، والشانصونييه هو اللقب الذي كان عمر يعتنقه باستمرار، واللقب هذا لا يعني أنه مطرب خالص أو مغنّ خالص، بل فنان يتأرجح بين المطرب والمغني الذي ينظم لنفسه".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها