الإثنين 2017/02/13

آخر تحديث: 11:28 (بيروت)

الموصل: معركة الساحِلَين

الإثنين 2017/02/13
الموصل: معركة الساحِلَين
لهيب الموصل(غيتي)
increase حجم الخط decrease
معارك الساحل الأيمن ستكون أصعب.. لماذا؟
بعد البيوت والسيارات المفخخة التي كان داعش يتركها إثر كل هزيمة في مناطق الساحل الأيسر من مدينة الموصل، أمام تقدم القوات العراقية المشتركة، يبدو أنه بدأ يلجأ إلى العمليات الانتحارية، بعدما استهدف مطعماً مكتظاً بعناصر القوات المشتركة في الأيام القليلة الماضية. وكانت الخسائر لتكون كبيرة بين الجموع لولا قيام صاحب مطعم "سيدتي الجميلة" باحتضان الانتحاري واحتواء قوة الإنفجار ليكون هو أول ضحاياه. 

كي نفهم لماذا معارك الساحل الأيمن ستكون الأصعب والأطول، علينا أن تدرك الاختلاف بين الساحل الأيسر والساحل الأيمن لمدينة الموصل.

بحكم الموقع الجغرافي الحدودي لنينوى، بمركزها الموصل والأقضية والضواحي التابعة لها، وبحكم وجود نهر دجلة الذي يشق المدينة في ساحل أيمن وساحل أيسر، صار لكل جانب خاصيته الديموغرافية والثقافية. يدّعي الكثيرون من أهل الموصل أن سكان الجانب الأيمن هم من السكان الأصليين. وهنا، علينا أن نفرق بين سكان المدينة العتيقة في مركز المدينة، وبين الأحياء التي توسعت في ما بعد، منذ الستينات وحتى يومنا هذا. تتميز الخريطة الإدارية للجانب الأيمن بتوسعها على قرى عربية في الغالب، مع وجود بعض الاختلاف في وضع مدينتي تلعفر وسنجار وقرى صغيرة من سكان "الأقلية"، ويمكن اعتبارها صلب الأزمة في تلك المنطقة. بعكس الساحل الأيسر المحاط بقرى وأقضية من غالبية مسيحية وآيزيدية وكردية و"أقليات" عرقية ودينية أخرى. هذا التنوع والاختلاف في النزوح جعل من الساحل الأيسر أكثر انفتاحاً على الآخر وجعله المكان الأنسب للمؤسسات الثقافية والفنية، مثل جامعة الموصل والمسارح والمكتبات المهمة وغيرها.

ويشتهر الساحل الأيمن بالمصانع والتجارة والأسواق الكبيرة، القديمة منها والجديدة، بإختلاف مناشئها، وبغالبية المؤسسات الحكومية الخدمية فيه، ما جعله مقصد الغالبية من سكان الموصل. وبدأ "ترييف" هذا الساحل في نهاية السبعينات وبدايات الثمانينات، عندما نزح الآلاف من الأرياف العربية وتوسعوا في بناء بيوت وأحياء جديدة في الأطراف. هذا التوسع جعل من الساحل منفذاً مهماً للتجارة الدولية والمحلية والتنقل الخارجي. ولهذا نرى أن نشأة المجاميع المسلحة في منتصف 2004 بدأت من هنا، بسبب انفتاح المنطقة على منافذ حدودية مع سوريا وتركيا وسهولة تحركهم من المدينة وإليها.

لم تبدأ معارك الساحل الأيمن بعد، وتقتصر حالياً علي قصف المدفعية والطائرات. علاوة على ذلك، سيطر داعش على الساحل، ومنع نزوح العائلات منها، وتحكم بمنافذ الجسور ومصادر العيش مثل الطعام والشراب، ما ينذر بكارثة إنسانية ومجاعة حقيقية بدأت بوادرها تظهر. 
عائلات تعرضت لتصفية جسدية أثناء محاولتها العبور إلى الساحل الأيسر، الذي يبدو أهدأ مع تقدم القوات المشتركة وسيطرتها عليه بالكامل.

انطلقت مناشدات عديدة من أهالي الساحل الأيمن والمراقبين، للإسراع في عمليات التحرير، لأن الوضع الإنساني غير مطمئن أبداً، مع غياب الخدمات والكهرباء والماء، وشح المواد الغذائية وغلائها. وإن توافرت المواد، فالمواطن العادي عاجز عن دفع عشرات الدولارات من أجل وجبة غذاء، وهو لم يتسلم مستحقاته الشهرية منذ أشهر. في هذه الأثناء يعاني الجانب الأيسر من خروق أمنية بسبب عدم القضاء التام على الخلايا النائمة من الدواعش والموالين لهم، مع لجوء الكثير من المواطنين إلى الإبلاغ عنهم بغية القبض عليهم، إلا أن استجابات الأجهزة الأمنية والقوات المشتركة ضعيفة جداً إزاء هذه البلاغات. وهذا ما سبب حالة استياء بين المواطنين، وخوّفهم من عودة قوة هذه الجماعات مجدداً باستعادة تنظيمهم سرياً والعودة إلى نهج الاغتيالات الذي كان سائداً في المجتمع الموصلي مع تواجد القوات العراقية والأجهزة الأمنية،قبل سقوط المدينة تحت سيطرة داعش 2014.

تحديات كثيرة تواجه القوات العراقية المشتركة في إدارة معارك الجانب الأيمن، وأولها كسب ثقة الناس، خصوصاً بعد العزلة التي عاشوها أكثر من عامين تحت حكم داعش وبعد تجاوزات "الحشد الشعبي والمليشيات المحلية" على المدنيين وممتلكاتهم من دون متابعة من القيادات العليا والتصدي لهم في مناطق محررة سابقة. وفي غياب الأمن للمواطنين العزل، واللجوء إلى القصف العشوائي، تزيد احتمالات تفاقم الأزمة الإنسانية في الساحل.

وتجدر الإشارة إلى أنه، بالرغم من سيطرة البيشمركة على المعبر الحدودي بين الموصل وسوريا "اليعربية"، إلا أنه من الصعب السيطرة التامة على الخروق الحدودية في الجزيرة. إذ تبدو مساحات شاسعة عرضة للإنتهاك ومرور قوافل المسلحين والمهربين بلا رادع. وهذا أمر كان وما زال يعانيه العراقيون منذ 13 عاماً، بسبب فساد الأجهزة الأمنية وتعاونها مع هذه الجماعات لقاء صفقات مالية ضخمة.

فهل تنتظر الموصل كارثة إنسانية جديدة؟ أم خطة عسكرية مُحكَمة تجنّب السكان هذه الكارثة؟ 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها