الأربعاء 2017/12/13

آخر تحديث: 11:24 (بيروت)

دور النشر: الموضة والتحولات

الأربعاء 2017/12/13
دور النشر: الموضة والتحولات
الغموض والحيرة سادا معرض الكتاب هذا العام
increase حجم الخط decrease
بسرعة مدوّخة تنقلب أحوال القراءة العربية، وتتبدل خطط النشر وسياسات الترويج. فما كان مزدهراً في سنوات قليلة ماضية سرعان ما يكسد، وما كان مرغوباً حتى وقت قريب يصير مستهلكاً ومهملاً. وكل دار نشر لا تلاحق التحولات يهددها الموت والإفلاس.

ميزة معرض بيروت أنه يعتمد أساساً على القراء الأفراد. ولهذا السبب، تعمد دور النشر إلى تزامن إصداراتها السنوية الجديدة مع موعد انطلاقه. فهنا تقوم العلاقة المباشرة بين القارئ والناشر، هنا تظهر اتجاهات القراءة وتحولات مزاج القارئ. هنا تكتشف دور النشر وتتلمس العناوين التي يمكن المراهنة عليها، أو المؤلفين الذين سيتحولون إلى "موضة"، أو الموضوعات التي ستهيمن على سوق الكتاب.

يمكن القول أن السائد هذا العام في معرض الكتاب هو الغموض والحيرة. معظم دور النشر النشطة لجأت إلى سياسة متوازنة في خططها: عدد محدد من الروايات، يوازيه ما هو مترجم، وبعض العناوين السياسية ومثلها المؤلفات الفكرية، إضافة إلى عدد أقل من الأسماء الجديدة تقليصاً للمخاطرة.

في مقابل هذا الغموض "الثقافي" هناك أيضاً الانكماش "الاقتصادي" المتفاقم، مع تردي الأوضاع السياسية في العالم العربي. وهذه عوامل حاسمة في التراجع الملحوظ بإنتاج الكتب. تقول رنا إدريس، مديرة "دار الآداب": "عدد إصداراتنا هذا العام أقل بنسبة 25 في المئة مقارنة بالعام الماضي". وهو حال معظم دور النشر المشابهة.

اتجاهات القراءة المتقلبة، ووقائع العالم العربي المضطربة، دفعت كل الدور الأساسية إلى تبني سياسات نشر مختلفة، أغربها على الأرجح ما تلجأ إليه "دار الفارابي" مثلاً، التي لا تتوقف عن الطبع. حيث تستقبل أي كتاب تقريباً وتنشره، بشرط مساهمة المؤلف بالتكلفة، بل بكل التكلفة معظم الأحيان. كما تستثمر "الفارابي" (ودور نشر "يسارية" أخرى) ظاهرة الردة إلى الماركسية في الدول التي شهدت انتفاضات شعبية، أو مجتمعات "الربيع العربي". وبين العودة إلى أدبيات اليسار والصيغة التجارية المتمثلة بفائض كبير من المطبوعات المدفوعة سلفاً، تبدو سياسة "الفارابي" شبيهة بظاهرة "مكتبة مدبولي" في مصر، أي هي دار وسوق ومكتبة ومطبعة في آن واحد. وهذه صيغة شبيهة إلى حد ما بأسلوب دار "شركة المطبوعات" أو "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، أي سياسة إغراق السوق والـ "ماس برودكشن".

دور النشر التي تحاول أن تبقى "طليعية"، هي الآن أقل مغامرة. فواحدة من أكثر الدور نجاحاً في العقد الأخير على صعيد نشر الروايات الأكثر رواجاً ونيلاً للجوائز، والكتب الفكرية والسياسية المرموقة، باتت سياستها هي تجنب ما يغضب سلطات أي دولة عربية، حتى النظام السوري. ولذا بدت هذا العام وكأنها تكتفي بعرض إصداراتها القديمة. وهي تتخلى شيئاً فشيئاً عن تلك "الطليعية" المزعجة وتتجه إلى التحفظ، الذي يضمن لها سوقها "الخليجي"، أو العودة إلى أسواق قد تفتح مجدداً: سوريا والعراق مثلاً.

البحث عن التوازن والحفاظ على هوية الدار إلى أن تتوضح اتجاهات القراءة، هما سمة دور النشر المعروفة (رياض الريس، الجمل، الآداب، المدى، التنوير..) وتعتمد أساساً على الشخص المؤسس (أو أسرته) وإدارته ومزاجه وقراراته. وهذا ما لا ينطبق مثلاً على دار "أنطوان – هاشيت" الشبيهة في عملها وسياستها بالطريقة الفرنسية. هذه الدار تحولت في السنوات الأخيرة إلى قطب في صناعة الكتب ببيروت. وهي "مؤسسة" لسلسلة من خطوط النشر، يتولاها ناشرون ومحررون ومديرون. لكل خط نشر (أو نوع) فريقه التحريري الخاص والمحترف، بالإضافة إلى إدارات متعددة للترويج والتوزيع والعلاقات العامة والتصميم والتحرير.. إلخ، وهي تحوز أيضاً سلسلة مكتبات "انطوان" بفروعها المتوزعة في المناطق والمولات الفخمة. هي صيغة مؤسساتية مستلهمة من التقليد الفرنسي، وتخالف الحال "الشخصية" أو "العائلية" لمعظم دور النشر اللبنانية. وربما تشير إلى مستقبل آخر لصناعة الكتاب وسوقه.

تبقى المغامرات الجديدة، أو الرهانات الخطرة والمشاريع "الجميلة"، التي يحبذها المثقفون وينجذب إليها شباب الكتابة. وهذا العام كانت دار "المتوسط" هي العلامة الفارقة في مناخ معرض بيروت الكئيب.    
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها