الثلاثاء 2017/12/12

آخر تحديث: 11:38 (بيروت)

عالم الفن كموضوع لأفلام البورنو

الثلاثاء 2017/12/12
عالم الفن كموضوع لأفلام البورنو
حين يستدخل البورنو عالم الفن، ويجعله مجالاً له، فهذا ليتوجه إلى مواطنيه
increase حجم الخط decrease
في الآونة الأخيرة، انتبه المتابعون للصناعة البورنوغرافية إلى أن عدداً من شركات إنتاجها تتجه شيئاً فشيئاً إلى جعل عالم الفن موضوعاً لها. والخطوة هذه تعني أنها انطلقت في تسجيل هواماته، أو فانتازماته، وتحويلها إلى أفلام تدور بوقائعها، وعناوينها، حول شخوصه، من فنانين وقيمين ومجمعين، وحول الشهوات الجنسية التي تجري بينها.

ولكي يقدم البورنو على خطوته تلك، لا بد أن بعض سكان الفن، الذين يعملون في المجال البصري تحديداً، قد انتقلوا اليه، وعندها راحوا "يتحدثون" عن العالم الذي أتوا منه، متعقبين فانتازماته، وجاهدين في اخراجها إلى العلن بالإرتكاز على قوانين ومعايير العالم الذي استقبلهم. لكن المهم هنا، هو أن الأعمال الجديدة لهؤلاء تتوجه إلى زملائهم في عالم الفن، بحيث يوفرون لهم عرضاً جنسياً، يتصل بهم حصراً، ولا داعي بعد اليوم إلى استهلاك وجهات البورنو المختلفة، بل المتعلقة بهم فقط. بعبارة أخرى، لا حاجة لهم إلى الفرجة على غير الأفلام التي تدور حول الفانتازمات في عالم الفن، وهذا، على افتراض بأنها الأقرب اليهم، وبأنها تخاطبهم في أوضاع متطابقة مع أوضاعهم اليومية قبل أن تنقلب إلى وضعيات جسدية. 

بالتالي، صار لعالم الفن، الشاشة البورنوغرافية الخاصة به، وهذه الشاشة تسجل فانتازماته لتعود وتضخها فيه، جاعلة منها موضوعاً لإستهلاكه، بحيث أنه ينتجها، فتتناولها، وترجعها اليه من أجل أن يتفرج عليها. وهكذا، لا يعود من المتاح لهذا العالم أن ينصرف، حتى على صعيد الفانتازمي، إلى غيره. الأمر الذي يكرس إنسداده. وفي الأساس، ولكي يحظى بتلك الشاشة، لا بد أن صنّاعها قد أدركوا أن توجههم إلى عالم الفن يجب أن يكون منسجماً معه، ما يعني أن تجد الشاشة مكانها داخله، حيث تلتقط فانتازماته، وتعكسها له، أن ترتفع كمرآته الهوامية، التي، وحين يتفرج عليها، تجنبه رؤية إقفاله، الذي، وبدوره، يزداد متانة.

حين يستدخل البورنو عالم الفن، ويجعله مجالاً له، فهو يتوجّه إلى مواطنيه الذي يشبهون جمهوره الأوائل خلال سبعينات القرن المنصرم. ومن سماته أنه يفقد دراية الشغل كرهط من المنتجين، وخبرة الحضور كرهط من المستهلكين. الأولى، يجري الإستعاضة عنها بتنفيذ الأعمال المطلوبة على أساس التوصيات المؤسساتية، وإيديولوجيتها وزمنها و"خط موتها" (deadline). والثانية، يجري استبدالها بأنماط العيش الرائجة، التي تنتشر بحسب قوة تسويقها، والتي تطاول الأزياء والتفكير والكلام والتنقل. وفي النتيجة، هذا الجمهور من مواطني عالم الفن، ومثلما يستهلك الموضة التي تعبر من الإرتداء إلى التنظير، كذلك سيستهلك صيحاته الفانتازمية التي تعبر من مجاله إلى شاشته. فهي تتحرك صوب نزواته، التي، وعند إثارتها وتلبيتها، تؤرجحه بين الإنتشاء والإكتئاب، بين التحمس والإحباط، ودائماً، التذنب الذي يبقيه داخل عالمه، ويحضه على الدفاع عن أقسى ما فيه: إنسداده.

في كل الحالات، ليس رفع الصناعة البورنوغرافية لشاشة في عالم الفن، فعلاً مفاجئاً، إذ إنها واظبت على رفع شاشات لها في كل الأنحاء، وفي أغلب العوالم، من المنزل العائلي إلى العيادة الطبية، مروراً بالمشفى والتاكسي والشارع إلخ. إلا أن هذا الفعل، فعل رفع الشاشة، يشير إلى أن كل عالم تستهدفه هذه الصناعة، مماثل لغيره على مستوى الإنسداد والإنتماء إلى خريطة المنظومات الميديوية والتسويقية. هكذا، غدا عالم الفن داخل هذه الخريطة، وشبيهاً بكل عوالمها الأخرى، فضلاً عن كونه يشارك في صياغتها أيضاً: ينتج، فرجةً فانتازمية على سبيل المثال، وفي الوقت نفسه، يستهلكها، كما لو أنها ليست من انتاجه. وهذا فن من فنون الإستغلال الذاتي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها