الأحد 2017/12/10

آخر تحديث: 09:03 (بيروت)

"غرب كنيس دمشق"... ايديولوجيا الخراب وأوهام السلام

الأحد 2017/12/10
"غرب كنيس دمشق"... ايديولوجيا الخراب وأوهام السلام
اسرائيل لا يمكن أن تستمر وتنمو في ظل نهضة كل من سورية ولبنان والعراق
increase حجم الخط decrease
ينقل سامي مروان مبيض "في مقدمة كتابه "غرب كنيس دمشق/ محاولات صهيونية لاختراق المجتمع السوري 1914 - 1954"(*)، المروية الآتية: "وصل إلى مكتب رئيس الجمهورية في دمشق منتصف خمسينات القرن الماضي تقرير استخباري من القاهرة عن اجتماع سري دار في تل أبيب بين موشي شاريت قبل استقالته من رئاسة الحكومة الإسرائيلية وسلفه الأب المؤسس للدولة العبرية ديفيد بن غوريون. قال الأول للأخير إن إسرائيل تحتفل قريباً بالذكرى العاشرة لاستقلالها، وإنها لا يمكن أن تستمر وتنمو في ظل نهضة كل من سورية ولبنان والعراق على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. اقترح شاريت بث الفوضى وإشعال نار الفتنة في جميع هذه الدول، وأن يبدأ الخراب من العراق، كونه الأكبر والأغنى بين الدول الثلاث. لكن بن غوريون رفض وقال: "لا نريد أن نزعج الإنكليز، دعونا نؤجل العراق قليلاً".
سأله شاريت: "ما رأيك في لبنان، فهو الأصغر والاضعف؟"
عارضه بن غوريون مجدداً، وقال: "دعه، فنحن لا نريد ازعاج الفرنسيين، علينا أن تؤجل لبنان قليلاً"...
نفذ صبر موشي شاريت، وقال: "ما رأيك في سورية؟".
هنا أجاب بن غوريون: "سورية ممتازة، البلد ممتلىء بالمشاكل والأقليات والإثنيات. وكل سكانه من دون استثناء، يرغبون في الوصول إلى سدة الحكم في دمشق، لكن عليك التريث قليلاً".

هذه المروية الصهيونية تكفي لتوصيف مآل الوضع لبنان والعراق وسوريا في الوقت الراهن، (كان ينقصها إشارة إلى مصر)... فإسرائيل التي بدأت بهجرة اليهود(أو "اختراع الشعب اليهودي" بحسب الباحث الاسرائيلي شلومو ساند)، ثم شراء الأراضي وسرقتها وتشكيل العصابات والاحتلال، والادعاء ان فلسطين "أرض بلا شعب"، وأكثر من ذلك فـ"الدولة اليهودية أنشئت كي تتوسع باستمرار"، بحسب توصيف المنظر اللبناني ميشال شيحا، واسرائيل كما رسمتها الأمم المتحدة في قرار التقسيم هي مجرد "رأس جسر، ونقطة انطلاق وبداية"... وبشكل أو بآخر كانت نتائج القرارات الاسرائيلية تنعكس خراباً على المنطقة، بدءاً من لبنان الذي أغرق، بعد التقسيم عام 1948، بأفواج من اللاجئين الفلسطينيين فاقت قدراته. وتحولت مشكلة اللاجئين في ربوعه الى مشكلة داخلية بالغة التعقيد، كانت مقدمة لحرب طويلة.


وضعت إسرائيل لبنان منذ البدء هدفاً دائماً أمامها للقضاء عليه. ليس فقط بسبب أطماعها المعلنة في أرضه ومياهه، بل كذلك وأساساً لكون صيغته بالتنوع الديني تفضح أحاديتها الدينية والعرقية. وكان اشتعال الحرب الاهلية 1975 كافياً لتحقيق الطموحات الاسرائيلية، وفي بداية السبعينات وصل الى الحكم في العراق رجل مهووس بالحكم يدعى صدام حسين، أهدر ثروات العراق ونفطه، سواء بعقليته الهمجية أو بالعنجهية الاميركية التي لم تترك طريقة إلا وجربتها في تدمير العراق، من حرب الخليج الأولى إلى الحرب الثانية واحتلال صدام للكويت ثم الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وأخيراً إيران وداعش... هكذا تحققت أمنيات شاريت وبن غوريون بأقل خسائر ممكنة وبأدوات الآخرين، وانتظرت سورية حتى عام 2011 وقد سقطت في دوامة العنف، لتتربع اسرائيل على عرش الشرق الاوسط. كل ما جرى من قتل ودمار كان أمراً عابراً بالنسبة للمجتمع الدولي، والنقطة الأبرز كانت أمن اسرائيل وليس تغيير نظام بشار الأسد.

يشير سامي مبيض إلى أن إسرائيل حاولت جاهدة، وكذلك فعلت الوكالة اليهودية قبلها، والحركة الصهيونية مجتمعة أن تخترق المجتمع السوري، اما لتدميره من الداخل وبث الفوضى والخراب بين أركانه، وإما للتوصل إلى إتفاق مع زعمائه يحقق دعماً عربياً لقيام الدولة العبرية على أرض فلسطين. وكانت جميع هذه المحاولات تتم إما بالإكراه عبر الترهيب والإرهاب، إما بالتفاوض مع وجهاء سورية المسلمين والمسيحيين واليهود. وأولى المحاولات كانت في مصر عام 1913 مع الوجيه الدمشقي حقي العظم، وأخرها مع أعضاء لجنة الهدنة التي تشكلت في عهد حسني الزعيم، واستمرت طوال فترة حكم اديب الشيشكلي(وهي المرحلة التي يتحدث عنها الكتاب). لم تحصل الصهيونية في جميع تلك المحاولات على أي تنازل مُرضٍ من السوريين، بل وقفوا ببسالة في وجه مشروعها، باستثناء الملك فيصل الذي أبدى استعداداً لتقبل المشروع الصهيوني عام 1919، ورحب بأي "دعم مالي أو معنوي" تستطيع الصهيونية تقديمه الى الثورة العربية، وأنه مستعد للموافقة على قيام دولة عبرية في فلسطين، شرط أن تكون ضمن دولة عربية موحدة على كافة الأراضي التي تُحرّر من الحكم العثماني، ولم تكن الوعود الصهيونية إلا خدعة تلقتها الثورة العربية الفيصلية. وهناك تنازلات حسني الزعيم الذي دخل في مفاوضات سلام شاملة مع اسرائيل عام 1949، بعد تواصله مع الاسرائيليين، قال الزعيم "قد أكون أُقدِم على انتحار سياسي أو أعرض نفسي للإغتيال، أملا في أن أحصل على دعم مالي من الولايات المتحدة لأنهض ببلدي. أجلس الآن على حافة بركان ولا أعرف متى ينفجر"... اختلفت الأقوال في حسني الزعيم، وكذلك تقويمات معاصريه. البعض عدّه أرعن ومتهوراً، والآخرون رأوا فيه رجل دولة، رائداً ومجدداً. أول عن أفصح رأيه الصريح في الزعيم وقضية السلام، كان الأمير عادل ارسلان، رأى ان الزعيم كان يريد عقد الهدنة في أسرع وقت كي يسحب الجيش السوري من الجبهة إلى الداخل لقمع الاحزاب والمعارضة الداخلية...

كان حسني الزعيم نموذجاً لأنظمة عربية سادت منذ ستين عاماً أو في مرحلة مع بعد الاستعمار، دائماً تستعمل الجيوش في قمع الداخل، او تستعمل اسرائيل ذريعة خارجية للسيطرة على الداخل وقمعه ومنع حريته. نقطة مهمة يلمح إليها المؤلف إلى أن خطابنا المشحون والعاطفي كان موجهاً دوماً إلى الداخل، إلى الجمهور المحلي، الذي هو في الأساس مقتنع بالقضية الفلسطينية، ويميز جيداً بين الصواب والخطأ. لم نحاول، نحن العرب، جدياً استمالة الآخرين أو الوصول الى ضمائرهم وعقولهم، إلا بعد الانتفاضة الأولى عام 1987، اي بعد أربعين سنة من قيام الدولة العبرية. فمعظم الشخصيات الوطنية(السورية)، التي رفضت المشروع الصهيوني ووقفت في وجهه، دفعت ثمناً باهظاً عقاباً لها على موقفها المشرف، مثل رجال الكتلة الوطنية الذين اجبروا على الإستقالة عام 1939، بعد اجهاض معاهدة الاستقلال بينهم وبين الفرنسيين وتسليم لواء اسكندرون إلى تركيا، كذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيس الراحل شكري القوتلي، الذي أطيح بانقلاب عسكري يحمل بصمات الولايات المتحدة واسرائيل.

وحاولت اسرائيل تمزيق الحركة الوطنية السورية من الداخل من خلال اللعب على التناقضات بين زعمائها، وسعت الى تفريغ دمشق من مكونها اليهودي. اليوم بعد مئة عام على وعد بلفور 1917، يعلن الأميركي ترامب القدس عاصمة لاسرائيل، وربما، بل بالتأكيد، يحتفل الاسرائيليون بخراب العالم العربي، وهنا يأتي السؤال المنطقي الذي يذكره الكاتب: "هل تحقق كلام ديفيد بن غوريون لموشي شاريت؟
والسؤال الآخر من عندنا، ماذا عن الصهيونية في زمن "سوريا الأسد؟"


(*) صدر عن منشورات رياض الريس في بيروت 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها