الخميس 2017/11/09

آخر تحديث: 14:34 (بيروت)

"رجل الثلج المبني للمجهول"...لعبة الحرب

الخميس 2017/11/09
"رجل الثلج المبني للمجهول"...لعبة الحرب
يبدو عالم المسرحية أليفاً، نعرفه جيداً وقد رأيناه سابقاً،
increase حجم الخط decrease
في المشهد الإفتتاحي لمسرحية "رجل الثلج المبني للمجهول"، التي تعرض في مسرح "مترو المدينة" (من كتابة عمر بقبوق واخراجه) يظهر أربعة جنود من الجيش السوري النظامي، ببدلات عسكرية زهرية اللون، يتراشقون كرات الثلج. يذكّر هذا المشهد بفيديو من إخراج قناة روسيا اليوم، نشر منذ أعوام في صفحة القناة في "يوتيوب"، لمجموعة جنود حقيقيين، يتراشقون الثلج. المشهدان تمثيليان، إلا أن الأول يستعمل محترفين، ويستفيد من السياق من أجل بناء عمل فني. أما الثاني، فيستعمل ممثلين غير محترفين وقد بدا تمثليهم رديئاً خلال الدقيقة ونصف الدقيقة التي ظهروا فيها على الشاشة، والتي تنتهي بكلمات أحدهم وهو يقول: "نلعب تلات عساكر عتلاتة؟"


يبدأ الحوار في المسرحية من المكان الذي انتهى إليه الفيديو، حيث يختلف الجنود على اللعبة ويقررون وضع قواعد جديدة. تتوالى الأسئلة: من يحدد تلك القواعد؟ من الحكم؟ ينفي المخرج اقتباسه من أي فيديو، إلا أن الشبه يبقى قريباً. وفقه، يمثل الجنود خلال المسرحية، أنماطاً ذهنية لثلاث شخصيات: الموالي، المعارض، ومثقف السلطة. أما الجندي الذي مات من البرد، فيمثل الضحية التي يتنافس المعارض والموالي من أجل قتلها مرة أخرى، وتصوير فيديوهات إعلامية على يوتيوب تستفيد منها. يسعمل الأخيران الهاتف من أجل تصوير فيديوهات إعلامية، أما المثقف، وهو الأكثر نشاطاً على هاتفه، فيستعمله من أجل تسجيل خطباته وأشعاره وآرائه بكل ما يحصل حوله. نص المسرحية مأخوذ من منشورات لشخصيات حقيقية (ما عدا الضحية طبعاً) على فايسبوك، وقد أعاد عمر بقبوق صوغها وتركيبها على شكل حوار ومونولوجات مسرحية.

ورغم حضور "فايسبوك"، يبقى تأثير "يوتيوب" الأكثر وضوحاً: الجندي الذي يكاد يموت من البرد، هو صورة معكوسة عن جندي ظهر في العام 2013 على يوتيوب يشتم البرد والثلج ويقول إنه يكاد يموت، وظهر كمادة مضحكة لكاميرا جندي آخر أعلى رتبة منه. في المسرحية، يموت الجندي  فعلاً من البرد، ويتحول أيضًا إلى مادة مغرية لكاميرا الجندي الأعلى منه.


يبدو عالم المسرحية أليفاً، نعرفه جيداً وقد رأيناه سابقاً، وساعد استعمال اللون الزهري في الأزياء في إزالة القسوة التي يفترض أن ترافق هذا العالم، رغم بعض الشتائم والكلام المتسلط المتبادل بين الجنود. ليس هذا ضعفاً في مخيلة المخرج الفنية، بل تسليماً بقوة مشهديتها منذ البداية، واستخدام فايسبوك هو في السياق نفسه، تسليماً بسلطة الميديا على الحرب، وتشكيله خطاباتها منذ بدايتها. فهذه الحرب، لم تحدث على أرض المعركة بل على يوتيوب وفايسبوك ووسائط أخرى. وإن حاولنا تصويرها والحديث عنها، لا يمكننا سوى الإقتباس مما حصل هناك فيها.

وبما أن الفن بالنسبة لبعضهم محاكاة للواقع، وهذا على كل حال المفهوم الأكثر رواجاً للفن في العالم العربي، تصبح صناعة الفن محاولة لوضع الواقع في عمل فني واحد، أو على طريقة السينمائيين "وضع الحياة كما هي في فيلم واحد"! فأكثرية الأعمال المسرحية المتصلة بشكل مباشر بالحرب السورية، تبدو أحياناً كأنها عمل واحد يتكرر إلى ما لا نهاية، وذلك بسبب المبالغة في ترميز الصراع القائم بين القوى الإقليمية على الخشبة: أرض المسرح المثلجة هي أرض سوريا، التي بعد أن يتحارب الجنود بالثلج عليها، يتوقفون فجأة من أجل وضع قواعد يريد أن يفرضها طرف واحد وهو الأعلى رتبة بينهم. ثم يتفق الطرفان على حكَم واحد، يراقب سير اللعب إلا أنهما لا يلبثان تجاهله، وهو لاحقاً يعود ويتجاهلهما. وخلال المعركة، لا يتوقف الجندي الأعلى رتبة عن التباهي بعلاقته بالفتيات الروسيات، وأنه أتى بروسيا إلى سوريا، بينما يخبئ المثقف الموالي للنظام الفودكا ويحتسيها بعيداً في مكان متوارٍ.

كما ان منشورات فايسبوك لا تنفصل عن سياق "الإحاطة بالواقع" الكارثي هذا، فالكلام الذي نسمعه عن لسان المتحاربين ومثقفي الجهتين، يشكل جزءاً من سرديات سائدة خلال السنوات الماضية. وما فعله العمل هو إخراجها عن سياقها في فايسبوك، ووضعها مع مقتطفات أخرى من أجل تشكيل خطاب متسق، يجعلها أكثر قابلية لأن تقال في مسرحية أمام جمهور، تحديداً كما حصل مع فيديو التراشق بالثلج، المتحول من الرداءة إلى مشهد أكثر إحترافية. لكن لحظة، ما الفائدة من جعله أشد احترافية؟!

(*) مستمرة في "مترو المدينة" - بيروت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها