الأربعاء 2017/11/29

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

بهيج جارودي لـ"المدن": أرسمُ الشَّعر والتجاعيد..ولستُ صاحب رسالة

الأربعاء 2017/11/29
بهيج جارودي لـ"المدن": أرسمُ الشَّعر والتجاعيد..ولستُ صاحب رسالة
increase حجم الخط decrease
بعد إنهائه تخصصه الجامعي في التصميم الغرافيكي (الجامعة اللبنانية الأميركية - LAU)، عمل بهيج جارودي لفترة قصيرة في مجال الإعلانات، ثم انتقل بعدها إلى قسم الأنيمايشن(فن التحريك) في "تلفزيون المستقبل"، حيث أمضى فترة طويلة قبل انتقاله إلى لندن لدراسات عليا في الأنيمايشن. يعتبر جارودي اليوم من الأسماء البارزة، لبنانياً، في عالم الرسم التصويري (Illustration)، بفضل أسلوبه الخاص وغير النمطي. عمل في الفترة السابقة على فيلمي أنيميشن (فن التحريك) قصيرين، عرضا في عدد من المهرجانات السينمائية، كما عمل على عدد من المشاريع التي نشرت في مواقع وصحف لبنانية.  ينشر جارودي رسوماً تصويرية بشكل يومين وشرائط gef من وقت إلى آخر، وذلك في صفحته الخاصة في "فايسبوك" و"إنستغرام".
هذا النص هو إعادة صياغة وتركيب لإجابات جارودي على أسئلة طرحتها عليه "المدن"، مع إضافات لكاتب السطور، بهدف استكشاف المعنى الأسلوبل لفن بهيج جارودي:


ثمة أشياء تبدو، للوهلة الأولى، عبثية أو منافية للعقل، نرتاب منها بسبب عائق الفهم الذي يحول بيننا وبينها. أحياناً، نتواطأ مع آخرين يحاولون مثلنا إخفاء عبثيتها، من طريق وضعها في قوالب معينة، وأحياناً أخرى نأخذ مواقف سلبية منها، تريحنا من الإستفهام حولها. العمل الفني يجب أن يبقى في ذلك المكان الغرائبي والعبثي، الأقرب إلى الحياة العادية، وربما الأكثر حقيقية منها. لأنه ببساطة، لا يتوقف عن مساءلتها، واقفاً في الخط الفاصل بين الإعتيادي واللا إعتيادي، الغرائبي واللا غرائبي.

لا أفكر إلى أين أريد أن أصل، أو لمن أوجه ما أقوم به. إن فكرت بتلك الأشياء، أصير مثل آلة معطلة، عاجزاً عن الفعل. التلقائية مهمة للغاية في هذا النمط الفني، وهو معيار يجب أخذه على كل حال في أنماط أخرى، فإن فقَد الفنان ذلك المعيار، تصبح ممارسته مجرد سعي لتجسيد القوالب المعتادة نفسها.

الرسم التصويري (Illustration) هو كالرسم والتصوير الفوتوغرافي، يريد تثبيت الوقت في لحظة معينة. يقول الرسام أو المصور، هنا أريد أن أنهي اللوحة أو هنا أريد أن أضغط على الزر، فيتوقف الزمن عن الجريان. لا يجب أن ينشغل الفنان بالمتلقي، فالأخير يعيد الزمن إلى الجريان مرة أخرى، ويعيد تحريك العمل الفني من الداخل، مضيفاً عليه طبقات لم تكن موجودة في السابق. هو ببساطة رسام آخر.

في الولايات المتحدة وبريطانيا، عندما تأثر التحريك والرسم التصويري بالفنون التشكيلية خلال الخمسينات (حصل الأمر نفسه قبل عقود من الخمسينات في الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية وتحديداً في زغرب، إلا أن الموجة لم تنتشر عالمياً)، صار يُنظر إليه كفن مستقل بذاته، وظيفته غير محصورة في التسلية أو في تجسيد قصص الأطفال. ونتيجة لذلك، دخل التجريد والنزعة التجريبية إلى عوالم الرسم التصويري والتحريك، وبدأنا نرى شخصيات ذات أشكال هندسية، وبمنظورات وأبعاد غير حقيقية.

هو فن منفصل بذاته، لأني عندما أضع ورقة بيضاء أمامي، تصبح إحتمالات ما يمكن رسمه، غير متناهية. دائماً يثير اهتمامي ما حصل في الولايات المتحدة وبريطانيا خلال الخمسينات، وكم الإحتمالات التي فُتحت أمام الفنانين. البريطاني رالف ستيدمان، كان يعمل بطريقة مثيرة. يقذف الحبر بشكل عشوائي على الورقة ويكمل من الشكل الذي صنعه الحبر. هكذا كان يجبر نفسه على البدء بالفكرة البصرية. وهذا هو المهم في الفن، أي أن يتكلم لغة مختلفة عن لغتنا وقوالبنا المهترئة. أنا أعمل بطريقة شبيهة، وأحب أن أبدأ بالشكل عوضاً عن الفكرة أو الموضوع الذي في رأسي، وأصلاً أنا دخلت إلى هذا المجال لأني أحب أن أرسم وليس لأني أريد قول شيء معين بالضرورة.


ليست إحتمالات الرسم غير متناهية فحسب، بل إحتمالات قراءة العمل وطبقاته غير متناهية أيضاً. هناك كاتب وفنان بريطاني، اسمه تومي أونغرير، تعرّض لحملات تشهير لأنه كان يعمل على كتب للأطفال، وفي أحيان أخرى يقدم رسوماً تصويرية إيروتيكية، وقد قوطعت أعماله الموجهة للأطفال في فترات عديدة. طبعاً هو فنان رائع، وأنا لا أجد أي مشكلة في ما كان يقوم به، لكن ما حصل مع الناس أنهم لم يستطيعوا الفصل، وكان صعباً عليهم ألا يحمّلوا أعماله الموجهة للأطفال أبعاداً غير موجودة فيها وبالتالي قراءتها بطريقة جديدة. وهو، بدوره، عجز عن منعهم من ذلك.


الأشخاص الذي يتحدثون عن رسائل مسبقة لأعمالهم، أو يحاولون قول شيء بشكل مباشر، أشعر أنهم يخدعونني بطريقة أو أخرى. لماذا تقوم بعمل فني إن كان في إمكانك أن تحمل عريضة وتوصل رسالتك بشكل مباشر؟ ربما نحن جميعاً نحاول قول أشياء في نهاية المطاف، وربما إن بحثت في أعمالي ستجد مواضيع متكررة أعود إليها بشكل دائم، كالموت، العلاقات، التعليقات الإجتماعية، كيفية تعقيد الإنسان لحياته، وكيفية إنشغاله بنفسه... إلا أن وعي الموضوع وخلق هدف للعمل منذ البداية، يحد جداً من قدرات الفن، ويجعله مصطنعاً بطريقة بشعة، وتصبح الأشكال مقحمة فيه بدلاً من أن تكون تلقائية.

أفضّل الخفة، فالمسار الذي تحاول من خلاله قول شيء أو إيجاد شيء تقوله، أجده أحياناً أكثر أهمية من القول نفسه. يمكنك بسهولة أن تعرف إن كان الفنان صادقاً أم لا، وهذا ما ينطبق على فيلم أو لوحة، أو أي عمل آخر. أفكر بذلك كثيراً عندما أرسم، لأني لا أريد خداع نفسي، ولا خداع الآخرين. ورغم أني لا أفكر في الجمهور خلال عملي، إلا أني أيضاً لا أحتقره، ولا أستخف بالعقول المتلقية. عندما تنتج فناً، تلاحظ أن الأشياء تأتي من داخلك في البداية، بلا تحكّم، وهو شيء جيد في الرسم التصويري، لأنك قادر بشكل مستمر على مفاجأة نفسك.

لا أحب رسم أشياء جميلة. الجمال مُصادَر في عالمنا اليوم، ولا أجده مثيراً للإهتمام. لا أريد أن ألعب في المكان نفسه حيث يلعب المجتمع. يكفي ما تفعله المجلات ووسائل الإعلام مع العارضات، ولا أريد تشجيعه أكثر. ستقول أنه رد فعل؟ ربما في جزء منه، إلا أني فعلاً أجد جمالية في التجاعيد والشَّعر وأشياء تُعدّ بشعة، ولا أعرف كيف أفسر هذا. دائماً هناك تنازع وصراع مع مفهوم الجمال، وليس مساءلة له كما يحب الفنانون القول. يمكن أن ترسم خطوطاً بشكل عشوائي، وتجدها جميلة، أو ترسم لوحة خلال شهور وتكون جميلة أيضاً. من الصعب أن تعطي تعريفاً للجمال، لكن إن لم أجد تعريفي الخاص، فهذا لا يعني أنه ليس هناك من رسم جميل وآخر بشع، فلا يمكننا في النهاية أن نهرب من وضع معايير لما نقوم به.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها