الثلاثاء 2017/11/21

آخر تحديث: 12:00 (بيروت)

نَشدُ الاستقرار: العَلَم بلا عجرفته

الثلاثاء 2017/11/21
نَشدُ الاستقرار: العَلَم بلا عجرفته
احتفالات عيد الاستقلال 2016 (المدن)
increase حجم الخط decrease
السير في بيروت اليوم، يحيل إلى عنوان ذلك الكتاب الذي ألفه الرفيق زافين قيومجيان "لبنان...فلبنان". فالمدينة مملوءة بالإشهارات والإشعارات، التي توجه تحية إلى البلاد. الفان رقم 4 تزين بالعلم اللبناني. وفي وسط بيروت، ارتفع علَم ضخم من قبيله، وتحت جسرالرينغ، هناك مَن رسم العلم نفسه، ووضع فوقه قَلباً. وفي الطريق إلى الأشرفية، شاشات الإعلانات تعرض العلَم إياه. وفي أحياء السهر، نزل العلَم من الأسقُف، أو احتل الواجهات. العلَم، تقريباً، في كل مكان. حتى ماركة "ليبتون"، التي قررت أن تروج لنوع جديد من الشاي، زنّرت علبته به، وقالت أن سلعتها على "مزاج وطنها".

"لبنان... فلبنان"، هذا ما تردده المدينة إذاً، لكن، مَن يتلقى بيان العلَم الكثيف، ينتبه إلى أن داعيه هذا العام ليس عيد الإستقلال، بل نَشْد الإستقرار، طلبه، وقصده. فبعد جلبة إمكان الحرب، خوفاً منها، وتمنياً لها، ها هي البلاد تحتفي بتجنبها، بتلافي ما كان من المتوقع أن يحدث. إلا أنه، وعلى عكس ما بشّر كهَنة الأزمة، لم يحدث. من هنا، يحظى العلَم بمعنى آخر، لا صلة له بمعناه الغنائي الذي درج السعي إلى إبرازه سابقاً، بحيث أنه علَم التوقّي، وليس علَم الفوقية. علَم الإحتراز، وليس علَم التعجرف. علَم الرويّة، وليس علَم التكبّر. فلا مجال، بعد واقعة رئيس الحكومة سعد الحريري، للتشامخ. ولا مجال للتعاظم، قبل هذه الواقعة بوقت طويل، وقت مُضي "حزب الله" إلى سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد. لا مجال سوى لعلم الحيطة، الذي، ومهما كبر حجمه ورافقته عبارات الغلظة، لا يبدو سوى راية الإستسلام، كون البلاد هشة. وكونها لا تزال، بعد عقود على استقلالها، لا تستطيع إنجاز البديهي والأولي من حاجاتها، أي إستقرارها. إنه علَم الحيطة. وأيضاً، علَم اتصال البلاد بحقيقتها.

وبهذا، يغدو متاحاً تحويل ما عاشته البلاد في آونتها الأخيرة إلى فرصة لها. ذلك، أن علَمها هو علم الوقاية ليس مما لم يحدث، ومما تجنبته، بل من خرافاتها، وعلى رأسها، خرافة الغطرسة، الذي يحملها على ممارسات شتى، من العنصرية على أنواعها إلى إعانة أجهزة القتل البعثية في سوريا. هذه الخرافة، التي تنطوي على ضعف غير مثبت، هي التي، وحين تتورم، تستدعي إشاعة الحرب. وما أن تلوح في أفق أصحابها، حتى يدركهم الإحباط، ليس من كون الحرب لم تقع، بل لأن فواتها يعني بُطلان الغطرسة.

وبعد الوقاية من الخرافات، هناك الوقاية من المشاعر المزيفة، وفي مقدمتها، الشعور بكون البلاد أكثر من رهينة فاعلة في إقليمها أو في عالمها. فعندما تتقي البلاد ذاك الشعور، باستطاعتها أن تستمر في اتصالها بحقيقتها، وأن تحذو حذوَ الرهائن في  المواجهة. يعني أن  تستبصر على نحوهم في سؤال: "ما الذي أوصلني إلى هنا؟ ما الذي جعلني رهينة؟".

لا يصفق العلَم في نواحي بيروت، وفي نواحي البلاد، محمولاً بخرافاته ولا بمشاعره المزيفة. فهذا كله ليس متاحاً الآن. وكل من يريد أن يعتقد به، عليه بدايةً أن يكون ضليعاً في النكران: نكران أن ما تستطيع البلاد فعله هو التصالح مع حجمها، والإقتصاد في شططها. قبل عامين، حاكمت الدولة أحد الناشطين بتهمة تحقير العلَم اللبناني، وكان حينها علَم العجرفة الذي ترفض سلطته أي كتابة عليه. لقد كانت تلك الكتابة فرصة له أيضاً، لكنه ضيّعها. اليوم، يتبدل العلَم. وأياً كان علوّه، يظهر نكوصه بمثابة فرصته، بيانه الفعلي. فأن تستهل البلاد من علَم نكث عهده بالتعالي، أفضل من أن تبقى في مهب الريح.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها