السبت 2017/11/18

آخر تحديث: 11:08 (بيروت)

مقتل سوزان تميم فيلماً لطارق صالح

السبت 2017/11/18
مقتل سوزان تميم فيلماً لطارق صالح
نقل صالح أحداث الفيلم من عام ٢٠٠٨ إلى بدايات ٢٠١١
increase حجم الخط decrease
في فيلمه "حادثة النيل هيلتون" (2017)، يقدم المخرج المصري - السويدي طارق صالح، صورة شديدة القتامة والواقعية لدولة ضربها العفن والفساد والتفسخ الأخلاقي، وكذلك أجهزتها الأمنية، لا سيما الشرطة وأمن الدولة. وتأتي هذه الظلمة الحالكة لتنذر بغضب جارف، وذلك على أعتاب الربيع العربي وأحداث الثورة المصرية في يناير2011.

يبني صالح أحداث فيلمه على وقائع حقيقية لمقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، على يد ضابط في أمن الدولة المصري في دبي العام 2008، بإيعاز وتكليف من رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، المقرب من الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

نقل صالح أحداث الفيلم من 2008 إلى بدايات 2011، قبيل بدء الثورة وتدفق الغضب في ميدان التحرير، وجعل مسرح الجريمة، غرفة في فندق النيل هيلتون (وسط القاهرة) بدلاً من شقة تميم في دبي.



في ردهة من ردهات "النيل هيلتون"، تسمع عاملة نظافة من جنوب السودان، أصواتاً تتعالى في غرفة من الغرف، ويتناهى إلى مسمعها شجار بين امرأة ورجل. إثر ذلك، يخرج من الغرفة الرجل الذي يبدو ثلاثينياً أنيقاً، ليتبعه وبعد فترة قصيرة يدخل رجل آخر، ويصدر صوت رصاص مكتوم.

لا يجعل الفيلم، كما هو الحال في أفلام الجريمة والأفلام البوليسية، غايته كشف الجاني. لكنه يستخدم الجريمة، والبحث عن مرتكبها، كمدخل للتغلغل في الجهاز الأمني المصري، والكشف عن الفساد الذي يعتمل في أروقته. ظلم، بطش، رشى، تجاهل تام لكل ما يمت للعدل والإنسانية بصلة، وغض للطرف عن الاتجار في المخدرات والاتجار في الجنس والابتزاز، مقابل المشاركة في المكاسب. هذه هي صورة جهاز الشرطة المصري كما يقدمها الفيلم.

يتولى التحقيق في قضية "النيل هيلتون"، ضابط الشرطة نور الدين (الممثل الللبناني فارس فارس في أداء متميز). يتضح أن القتيلة هي مطربة جميلة تُدعى لالينا.  ليس نور الدين بصاحب يد عفيفة، فهو لا يقل فساداً عن غيره من رجال الشرطة، يتقبل الرشى ويحصل على الإتاوات التي جُمعت قسراً، ويغض الطرف عن الدعارة والمخدرات وغيرهما من صور الفساد، طالما أنه يحصل على مقابل. أثناء تفتيش غرفة لالينا، يعثر نور الدين على مبلغ مالي كبير، فيدسه في جيبه، ويعثر أيضاً على إيصال من محل تصوير لتسلم صور فوتوغرافية، سرعان ما يكتشف أنها لقطات للقتيلة في أوضاع حميمية مع رجل أعمال شاب واسع النفوذ وعضو برلماني يتمتع بالحصانة هو حاتم شفيق (أحمد سليم)، وأن قواداً هو من التقط الصور، لاجتذاب الأثرياء وذوي النفوذ.

ولعل نقطة الضعف الرئيسة في الفيلم، هي النزعة المفاجئة لدى نور الدين للبحث عن الحقيقة في هذه القضية تحديداً. لا يقدم الفيلم أي مؤشرات على أنه نزيه أو أنه ساعٍ وراء الحق والحقيقة. هو، كغيره من رجال الشرطة في الفيلم، يمارس الفساد كنشاط يومي اعتيادي بلا اكتراث. ربما نلمح بعض الأسى على وجهه حين يتذكر زوجته التي رحلت في ريعان الشباب، وربما نلمح طيفاً للخير في شخصيته، فهو يحنو على والده المسن ويتقبل كلامه المؤلم عن فساده وفساد الشرطة، لكنه يبقى على فساده.


مهما كان دافع نور الدين، سواء كان الرغبة في الخلاص أو التأثر بجمال اغتيل وشباب قُتل على حين غرة، أو رغبة في التطهر من أدران شعور دفين بالدنس والقذارة، فإننا نجده يندفع في رحلة بحث عن قاتل لالينا. المغامرة محفوفة بالمخاطر، ونعلم مسبقاً أنه ليس قادراً على خوضها بمفرده. نعرف أنه لن يخرج سالماً من رحلة بحثه عن الحقيقة، في جريمة يضطلع فيها أصحاب نفوذ واسع، ويتستر عليها جهاز أمني فاسد. ربما ما يقوم به نور الدين هو محاولة للانتحار أو للخلاص الممنهج من حياة مليئة بالقبح. لكنه جعل من انتحاره أو خلاصه رحلة للبحث عن الحقيقة في هذه الجريمة.


(*)عرض على هامش مهرجان لندن السينمائي لعام ٢٠١٧ والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم للفيلم الدرامي للسينما العالمية في مهرجان صندانس في الولايات المتحدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها