الأحد 2017/11/12

آخر تحديث: 08:48 (بيروت)

كيف يمكن أن يكتب المرء من دون رقابة؟

الأحد 2017/11/12
كيف يمكن أن يكتب المرء من دون رقابة؟
increase حجم الخط decrease
 
كيف يمكن أن يكتب المرء من دون رقابة؟ رقابة على نفسه من نفسه. رقابة ذاتية شكّلتها قرون طويلة من التاريخ والموروث والأديان والعادات والتقاليد، ثم سنوات طويلة من تأثيرات المحيط والمجتمع والأهل ومواعظ المعلّمين والمصلحين والمربّين وتقاليد منقوشة على الحجر وعادات متكلّسة ووصايا دهرية تحوم في هواء الثقافة التي يأتي منها المرء.

كيف يمكن أن يتخلّص المرء من كل تلك السلاسل التي تتضافر جميعها وتتشابك لتشكل مجتمعة سلسلة ثخينة واحدة ضخمة تلتفّ حول رأس المرء ورقبته وصدره وجذعه لتغطّيه تماما ولا يعود يبين جسده الحقيقي.

أو ربما تصبح هذه السلسلة الفولاذية هي جسده الحقيقي! وأحيانا يحصل أن يتوهّم المرء حريته، وينسى مع الزمن أنه مُقيّد أساساً…

أليست الكتابة فرصة لتحطيم هذه السلاسل، أو بعضها على الأقل؟ عندما يظنّ المرء، ولنتحدّث هنا بشكل خاص عن الكاتب؛ عندما يظن الكاتب أنه حطّم الكثير من السلاسل، وأنه أكثر حريّة من الآخرين، وأن الحبل الذي يربطه إلى الماضي أطول من الآخرين؛ عندما يظن كل ذلك، هل يكون فعلاً كذلك؟ أم أن الأمر مجرّد مبالغة من مبالغات وادّعاءات الكُتّاب، ورغبة دفينة يعرف الكاتب في قرارة نفسه أنه لم يحقّقها.

من المفترض أن تساعد الكتابة على التحرّر والتخلّص من حبال الماضي… أو العكس أيضاً، من المفترض أن يكون المـُتحـرِّر أصلاً أكثر قدرة على كتابة شيء مختلف على الأقل. ومحاولة فهم هذه العلاقة مهمة الآن أكثر من أيّ وقت مضى، في هذا الزمن العربي وغير العربي المأساوي… فكيف يمكن تفسير نكوص بعض الكتّاب الذين نعرف واعترفنا سابقاً بأن نصوصهم جميلة ومهمّة ومختلفة؛ كيف نفسّر نكوص كتّاب هذه النصوص في هذا الزمن إلى هويّاتهم الصغيرة السجينة والمقيّدة بحبال الأقلية والطائفة والقبيلة والمنطقة والزمن ما قبل الإنساني والكوني.

إذا قلنا في السابق بأن نصوصهم جميلة، لا يمكن بسهولة الآن أن نعود ونقول أن نصوصهم أصبحت قبيحة الآن لأنهم لم يعودوا يعجبونا كأشخاص، فهذا بكل بساطة تقييم نقدي عاطفي غير موضوعي وإيديولوجي.

ربّما إذاً، كل ما في الأمر بأنه ليس من الضروري أن يكون الكاتب حرّا كي يكتب نصّاً جميلاً. ليس من الضروري أن يكون إنسانياً وأخلاقياً وكونياً… كل ما في الأمر ربّما أن الكتابة هي خدعة أكبر بكثير مما كنّا نتصوّر. خدعة إبداعية جميلة. خدعة رهيبة فاتنة، وأن الفنّ فيه من الصدق بقدر ما يمكن أن يحمل كلامنا الظاهري الذي نقوله على الملأ للآخرين من الصدق.

طبعاً من دون تعميم بالتأكيد، فهذا لا ينفي وجود الصدق الفنّي، ولكنه يؤكد أيضاً الكذب الفني. كذب ساحر مشغول بعناية. كذب عظيم، يلزمه أحياناً أحداث تاريخية كتلك التي تحدث الآن كي نراه بوضوح كما لم نره من قبل.


(*) مدونة كتبها الشاعر السوري فادي سعد في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها