الخميس 2017/10/05

آخر تحديث: 10:36 (بيروت)

بعد سوزان..ماذا عن "المكتب"؟

الخميس 2017/10/05
بعد سوزان..ماذا عن "المكتب"؟
"مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية" مخالف للقانون ويمارس سلطة أمر واقع
increase حجم الخط decrease
في قضية إقالة المقدم سوزان الحاج من رئاسة "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية"، ووضعها في تصرف المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، سادت نميمة كثيرة، والقليل من الجدّ. 

سمتان أساسيتان غلبتا على السجال العام. الأولى، هي التشفّي في هذه الضابط التي آذت وأهانت وأرهبت صحافيين ومحامين وناشطين إلكترونيين، في مقابل إحساسها المتزايد بالنفوذ والقوة، والذي أوهمها بسهولة أن "تفتح على حسابها"، مُغرّدةً ومُصرّحةً في السياسة والشأن العام، خلافاً للقوانين راعيةِ وظيفتها الرسمية.

أما السمة الثانية، فهي التضامن مع هذه الشخصية العامة، التي حققت إنجازات في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية (كالقرصنة والسرقات المالية والمعنوية، وعمليات الاحتيال، وصولاً إلى الاستغلال الجنسي عبر الانترنت). إضافة إلى كونها امرأة، وجميلة، وحاضرة في المجال العام، وتشغل منصباً يستقطب الأضواء، ما جعل "جمهورها" ينظر إليها كقصة نجاح نسوية تعاني الآن اضطهاداً ذكورياً.

والحال، ورُغم مشروعية الملاحظات والضغائن المُعبَّر عنها كـ"فشّة خلق" واغتباط بالمحاسبة التي قلما نراها في لبنان، فإن التشفي في الشخص ليس قيمة مضافة لأي نقاش مبدئي، خصوصاً أن المحاسبة هذه تبدو متأثرة بتجاذبات داخل السلطة، أكثر منها بدافع المصلحة العامة، وإلا فلماذا تأخرت سنوات، رغم كل الشكاوى والتجاوزات؟ بل لم تجرِ المحاسبة إلا على السلوك/الرأي الالكتروني للمقدّم سوزان، التي لطالما اتكأت على هذه "التهمة" نفسها لاستدعاء مدوّنين وإعلاميين. لا محاسبة، حتى الآن، على الأداء الوظيفي لرئيسة "المكتب"، ولا إعادة نظر في صلاحيات المنصب نفسه. وبالتالي، لا مبرر للاغتباط.

ومن جهة ثانية، فإن التضامن مع امرأة في هذا المنصب الحساس (القمعي بالتعريف)، كيفما مارست عملها، ولمجرد أنها امرأة ذات سلطة استدعاء وتحقيق، يبدو ضرباً من التعصب الذي يُتفّه خطاب المساواة الجندرية. في حين أن الإنجازات ليست منَّة مِن موظف(ة) يقوم بعمله، ولا تعني غض الطرف عن الأخطاء. والأخطاء، في حالة المقدم سوزان، وكما هو معلوم، لا تنحصر في نقرة "لايك" على تغريدة وضيعة لكوميديان يقوم نتاجه "الفنّي" أصلاً على العنصرية والتحريض والذكورية، وإن كانت "اللايك" هذه هي السبب المعلن الآن للعقاب المُنزَل بالمقدم سوزان.

وبعد.. ماذا عن "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية" نفسه؟ نشأته؟ صلاحياته الفضفاضة؟ المقدم سوزان الحاج ليست سوى رأس جبل الجليد. "المكتب"، في حد ذاته، هو المشكلة. وهو الذي يحتاج إلى قوننة والكثير من إعادة النظر. قيل ونُشر كلام كثير عن هذا الموضوع. فلماذا غاب عن النقاش الراهن - إلا في ما ندر؟ ألا يفترض أن تشكل إقالة رئيسة المكتب المدخلَ المثاليَّ لفتح الملف؟ هل سيمارس الرائد ألبير خوري هذه الوظيفة بالطريقة نفسها؟ وما الضمانات القانونية التي ستحول دون ذلك؟ ولماذا انطفأت جذوة النقد لمسودة قانون الإعلام اللبناني، ولم تجد مَن يشعلها، في ظل الحدث الذي لا يفترض أن تكون المقدم الحاج هي بطلته، بقدر ما يجب أن تتصدّره حملة مدنية إعلامية منظّمة وتعاضدية، للمطالبة بضبط عمل "المكتب" وتنقيح مسودة قانون الإعلام؟

في محاولة إنعاش الذاكرة، فإن التحية واجبة لفريق مؤسسة "مهارات" الذي ناضل في هذا الملف ونظّر له حقوقياً وإعلامياً، إلى جانب فريق "المفكرة القانونية"، وجمعية "مارش"، وأفراد وناشطين ومحامين كثر...

أنشئ "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية" بموجب مذكرة خدمة صادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في العام 2006، وألحق بقسم المباحث الجنائية الخاصة في الشرطة القضائية. وبموجب قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي الرقم 91/17، لا يمكن تنظيم وإنشاء وحدات في قوى الأمن الداخلي إلا بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الداخلية، بعد استطلاع رأي مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي، وهو ما لم تتم مراعاته في إنشاء هذا المكتب. وبالتالي يكون إنشاء "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية" مخالفاً للقانون ويمارس سلطة أمر واقع.

استدعى المكتب عدداً من الصحافيين والناشطين. وبرر ذلك، كل مرة، بتعميم صادر عن النيابة العامة التمييزية، كون المواقع الالكترونية لا تخضع لقانون المطبوعات وإنما لقانون العقوبات. إلا أن كل هذه التعاميم والمذكرات الداخلية تناقض ما قضت به محكمة المطبوعات العام 2011، والتي اعتبرت نفسها الجهة الصالحة للنظر في قضايا جرائم النشر في المواقع الالكترونية، وبالتالي تطبيق قانون المطبوعات على هذه الأفعال.

وتجدر الإشارة، بحسب منشور لمؤسسة "مهارات"، إلى أن "النيابة العامة التمييزية كانت قد رضخت لطلب استرداد ملف قضية الصحافي مهند الحاج علي من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، لعدم الاختصاص، بعدما كان المكتب قد استدعى الزميل بناء على قضية نشر مقامة ضد مجهول، حيث تعرض لضغوط وتهويل من قبل المكتب". ويضيف المنشور نفسه أن الصحافي أو الناشط غالباً ما "يُلزَم بتوقيع تعهد بعدم التعرض للمُدَّعي مجدداً. في حين أن للصحافيين الحق في رفض توقيع مثل هذه التعهدات، كونها لا تُسقط الدعوى التي تبقى مستمرة، إضافة إلى أنها تشكل إقراراً بأن الصحافي قصد من خلال مقاله أو منشوره التعرض للشخص الذي تناوله".

وفي أواخر العام 2016، وبعد سنوات من مناقشة أكثر من مشروع لقانون جديد للإعلام، في اللجنة النيابية للإعلام والاتصالات برئاسة النائب من كتلة "حزب الله" حسن فضل الله، توصلت اللجنة إلى صيغة نهائية لمسودة قانون موحّد يُنتظر إقراره في الهيئة العامة لمجلس النواب. وكشفت "مهارات"، في بيان آنذاك، أن الكثير من الإصلاحات التي كانت قد تقدمت بها عبر النائب غسان مخيبر، لم يؤخذ بها، وأهمها إلغاء صلاحيات "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية" ومخافر التحقيق في ما يتعلق بالتعبير عن الرأي بواسطة الانترنت، اضافة الى منع التوقيف والاستدعاء للناشطين على ذمة التحقيق في مثل هذه القضايا. في حين تضمنت المسودة المذكورة، وبلا أي حرج، شروطاً للتعبير "الحرّ" بدت مستقاة من دساتير مُغبرَّة في دول شمولية مطاطية اللغة والتشريع، من قبيل: "عدم التعرض لشخص رئيس الدولة أو ممثلي الدول الأجنبية أو تعكير السلام العام أو تعريض سلامة الدولة للمخاطر".

ولكي يهدئ روع المشككين في أن حرية التعبير في لبنان بألف خير، أعلن النائب فضل الله، في آذار/مارس الماضي، أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تخضع للموجبات القانونية التي تخضع لها وسائل الإعلام التقليدية، لافتاً الى أن التداول ضمن لجنة الإعلام والإتصالات النيابية، في خلال مناقشة اقتراح قانون الإعلام الجديد، "أوصلنا الى اعتبار وسائل التواصل الإجتماعي، وسائل تعبير شخصية لا تخضع لقواعد القانون الجديد، ولذلك بقيت مشمولة بالمواد التي تتناول قضايا النشر. لكن بحسب الواقع، فإن انتشار وسائل التواصل وتأثيرها، تجاوز في عالم اليوم، إطار التعبير الفردي، لتتحول الى الوسائل الأكثر شعبية".

لكن، وبحسب الواقع أيضاً، فإن "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية" ظل يستدعي أصحاب الستاتوسات والتغريدات، حتى آخِر يوم للمقدم سوزان الحاج في منصبها. وإذا كان الردّ أن القانون الجديد لم يتم إقراره بعد، فلا شيء في القانون العتيد ينبئ بأن "المكتب" ستشمله القوننة الضرورية للَجم جموحه المتمثل في أداء رئيسه، أيّاً كان(ت). ويبقى السؤال: هل يكون أداء المقدَّم المُقالة، و"المكتب" غير القانوني، هما بالضبط الاستثناء الذي يثبت القاعدة اللبنانية في الإدارة والسياسة والأمن؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها