الثلاثاء 2017/10/03

آخر تحديث: 12:38 (بيروت)

رحيل روبير دلبير .. "مُهرّب النظرات"

الثلاثاء 2017/10/03
رحيل روبير دلبير .. "مُهرّب النظرات"
قيل عنه إنه "العين التي رصدت روبرت فرانك ووليم كلاين"...
increase حجم الخط decrease
رحل منذ أيام الناشر الفرنسي روبير دلبير Robert DELPIRE 1926- 2017، الرائد في مجال النشر المتخصص بفن التصوير الفوتوغرافي، وهو الذي أصدر في الثمانينيات أول سلسلة كتب وأشهرها حتى اليوم: "فوتوبوش"(Photo Poche).

هو الذي لطالما اعتبر أن عمله كناشر ليس سوى وليد الحماس واللقاءات والصداقات. مبدع استلهم مشاريعه من ذاته العميقة المثقفة التي أضفت على أعماله فرادة لا تُختزل."مهنة الناشر متواضعة، تجمع الفنان من جهة، والحرفي من جهة أخرى، فلا يمكن خيانة هذا الإرتباط"، قال.

انتزعت "فوتوبوش" الإعتراف بالموقع الفني والثقافي للصورة. هدف دلبير كان تعميم ثقافة يمكن للجميع اكتسابها: كتاب بحجم الجيب، أنيق، لا تقل جودة طباعته عن أي كتاب فني فخم باهظ الثمن. إصدارها في 1982 مغامرة لم تكن لتنطلق لولا دعم حكومي "لتلك الكتب السوداء الصغيرة الحجم" كما وُصفت آنذاك بتهكم، في زمن كانت الفوتوغرافيا ما زالت تُعتبر الفوتوغرافيا فناً شعبياً خارجاً عن تقاليد الفنون المصنّفة "جميلة". تحولت اليوم مساهمة دلبير إلى رمز للإعتراف بالشرعية الثقافية للفوتوغرافيا، بفضل منشورات متواضعة أنيقة كانت أول تأريخ لهذا الفن الحديث العهد يُكتب وينشر بحجم الجيب.

قبل أن يبدأ عمله في 1976 كناشر، أسّسفي 1949 مجلته "Neuf" (تسعة)، التي نشرت نصوصاً من بريتون، سارتر، كوكتو...،  وصوراً فوتوغرافية من دوانو، براساي، رودجر... رأس أيضاً تحرير مجلة "L’ŒIL"(العين) التي نشرت أعمالاً لمشاهير (هنري كارتييه- بريسون، أوغست ساندر، جوزف كودلكا...). ثم مجلة "صور"- 1982 التي نشرت أعمالاً مصورة وأبحاثاً عن التصوير وإرتباطاته بوسائط تعبير حداثية أخرى.  في 1980 نظّم أول نشاط لـ"شهر الصورة" في باريس بمعارضه الـ65. 
بتعيينه مديراً لـ"المركز الوطني للفوتوغرافيا" أصرّ على أن ترافق المعارض وثائق مطبوعة. كانت بدأت آنذاك (السبعينيات) محاولات تشريع التصويركفعل فني وثقافي، وإدخاله إلى المتاحف. سعت هذه المحاولات إلى تقييم التصوير وتقديمه كإبداع يمكن عرضه وحفظه في مجموعات، بعد أن أبعد زمناً طويلاً، مع موسيقى الجاز والقصص المرسومة، عن الممارسات الثقافية. دلبير كان سباقاً في اعتبار الفوتوغرافيا شكلاً إبداعياً جديداً، منفتحاً، شعبياً ومجرداً من القداسة، لا ارتباط له بورثة الفنون التقليدية.

شرّع أبواب "المركز ..." على الميول والتجارب. عرض كل الأعمال المهمة في تاريخ الفوتوغرافيا، كل ذلك دون أن يهمل مسألة النشر، فبدأ إصدار سلسلته الشهيرة "فوتوبوش"  معتمداً حجم "الجيب" (13 X  19 سنتم)، مقترحاً نموذجاً جديداً لكتاب يؤرخ للتصوير (ثمانية كتب سنوياً، 144 صفحة، مقدمة لمصوّر أو باحث، 64 صورة، وسيرة حياة مقتضبة للمصوّر). سلسلة رائدة ومفترق في عالم النشر المتخصص بالصورة.

في زمن مبكر، تعامل دلبير مع المصور كفنان مبدع. أعطى الصورة ما تستحقه كخلق فني. في 1958 نشر الكتاب -الأسطورة "الأميركيون" للسويسري روبرت فرانك، مع 180 صورة ونصوص جريئة معادية لأميركا. أرسى هذا الكتاب مقاربة جديدة لمفهوم نشر ثقافة  الصورة.

قدمت تصاميم دلبير الغرافيكية صيغاً متواترة رمزية، تشكل مسارات المقاطع والفصول، 
وتتلاعب باختلاف الموضوعات والترددات الشكلية. تعاقب لصفحات بيضاء وأخرى حاملة للصور، نقل حكايات وتعليقات الصور إلى آخر الكتاب، ما يعزل كل صورة على حدة لتصبح مستقلة. تلك هي الصيغة المجددة التي اتبعها دلبير، والتي صاغت خطاباً شرّع الواسطة الفنية عن طريق الكتاب المتقن طباعة وتصميماً، وعن التكوين الإيقاعي وتقييم المصور كمؤلف والدفاع عن نظرية جمالية.

بعد تصميمات رزينة مبسّطة وأنيقة، يختار دلبير الصور بذوق جمالي شخصي. العدد الأكبر من إصدارات هذه السلسلة نشر مستقلاً عن أي نشاط لكي تمارس دورها الذي حدده ألا وهو كونها وسيلة معرفية جذابة إلى الصورة.   

في 1984 نالت السلسلة جائزة "نادار" للكتاب الفوتوغرافي التي أُعطيت للمرة الأولى في تاريخها لسلسلة كاملة لا لكتاب واحد. في 1985 إصدر طبعتها بالإنكليزية، أتبعها بالإيطالية، الألمانية والإسبانية. في 1990 اعتبرت الأكثر مبيعاً في العالم. 

ترك كتاباً واحداً هو "عن الرؤية"، نصوص ضمّنها آراءه في الصورة والمصورين، مشاهير ومبتدئين. كتابات شهدت بإحساس على إبداعات فوتوغرافية تاريخية.

قيل عنه إنه "العين التي رصدت روبرت فرانك ووليم كلاين"، وأنه "مهرّب النظرات".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها