الثلاثاء 2017/10/03

آخر تحديث: 12:33 (بيروت)

"أصلي" بلال طربيه: رسامو الغرافيتي ينضوون في جدرانهم

الثلاثاء 2017/10/03
"أصلي" بلال طربيه: رسامو الغرافيتي ينضوون في جدرانهم
الغرافيتيون اصلاء مدينتهم
increase حجم الخط decrease
في العام 2015، قدم الفنان الفوتوغرافي بلال طربيه معرضه "تصوير شارعي، فن شارعي"، الذي تضمن صوراً تظّهر الرسوم الغرافيتية في أحياء ومناطق بيروتية شتى. قبل أيام، وضمن مهرجان "فنون الشارع"، في دورته الخامسة، الذي نظمه "المركز الثقافي الفرنسي"، عاد طربيه في معرضه الجديد، "الأصلي" (يستمر حتى 11 تشرين الأول)، إلى تلك الرسوم.


لكنه، هذه المرة، لم تلتقط عدسته ما أُضيف عليها في أنحاء المدينة، بل أنه ظهّر شغيلتها، أي رسامي الغرافيتي، وعددهم 13، بوجوههم وأقنعتهم، وغيابهم أيضاً، وذلك، كتحية إليهم. على أن رجوع طربيه، وحّد بين موضوع معرضه السابق وموضوع معرضه الجديد، وذلك، من خلال أسلوبه، المنظوري والشكلي على حد سواء، الذي واظب على تأليفه واعتماده.

فيتيح هذا الأسلوب لطربيه أن يلتقط صوراً لرسامي الغرافيتي بالطريقة ذاتها، التي التقط فيها صوراً لرسومهم، بالتالي، يبدون كأنهم مستمدون من عملهم، ومرتبطون به. العدسة، ومع أنها تثبتهم في لحظة بورتريه، غير أنها، وعلى عادة فوتوغرافها التقنية، تتحرك من أمامهم، أو بالأحرى تمر بهم. فليست مركزة عليهم سوى لحظة التقاطهم قبل أن تُعرض عنهم، وبذلك، تنتج صورهم كتوثيق لهم في وقت عبورها بهم: نشاهد صورهم ونشعر أن الكاميرا تبتعد عنهم، ما يجعلهم قريبين من رسومهم، التي تجذب العيون نحوها في حين اجتياز الأرصفة أو الطرقات المحاذية لها.

عدا عن هذا الرابط بين الرسوم وفنانيها، هناك آخر، وهو إلتقاط الصور بالتظليل والتكثيف. فطربيه صوّر هؤلاء، وكرسومهم في الماضي، بالإستناد إلى الأسود والأبيض، محاطين برجاء مديني، هو، على الأغلب، رجاء رسمهم. الأمر، الذي يدمجهم، أو يذيبهم حتى، في ذلك الرجاء، وما يجعل قسماتهم وملامحهم متصلة بقسماته وملامحه، مع الإشارة إلى أن الإتصال هذا يقوي حضورهم، خصوصاً لما يتجاسرون بهيئاتهم.


إذ أنها منخرطة في الرجاء، لكنها، وبالفعل نفسه، تشكل متنه، الذي، وفي بعض الأحيان، يتسم بوقفة تنطوي على تحد وهزل معاً. بغية طربيه واضحة: لا تمييز بين رسامي الغرافيتي ورسومهم، وبالفعل ذاته، لا تمييز بينهم وبين رجائها. وهم، وعند ممارستهم لفنهم، ينضوون في مدينتهم، ينتمون إليها ويظهرون كأنهم هي. فهم المدينة، و"من دونهم لم يكن بمقدورها أن تكون ما هي عليه".

وهكذا، من الممكن إدراك علة عنوان المعرض، "الأصلي"، الذي يشير إلى أن هؤلاء الرسامين هم "أصيلو" مدينتهم، أو المعبّرون عن حقيقتها على جدران فصولها. ومن الناحية نفسها، المعرض يحمل عنواناً ثانياً بالإنكليزية، وهو "الواقعي" (the real)، لكنه تغير إلى "الأصلي" (authentic). وربما لا علاقة لذلك بما يريد طربيه أن يقوله عن الغرافيتي من خلال صوره فقط، بل لأن الأخير، وبما هو رسم شارعي، على صلة بالغناء الشارعي، بالهيب-هوب. فـ"الأصلي" هو بمثابة خانة هيب-هوبية منذ تسعينات القرن المنصرم على الأقل، منذ ألبوم فرقة MTN المعنون بـauthentik (1991). وطبعاً، "الأصالة"، في هذا المجال، لا تتعلق بالعودة إلى الأصل، بل تتعلق بالتعبير الدقيق والوفي عما يدور في خواطر الفنانين "الشارعيين" من أجل أن يمضوا في نشر زوايا الكلام، بالعبارات والرسوم المناسبة، وذلك بالإنطلاق من قواعد ممارساتهم وتمكنهم منها.

من بين الفنانين، الذين صورهم طربيه، ثمة رسام مقنّع، لم يظهر وجهه. إذ أنه الوحيد، الذي تصوّر من دون أن يتصوّر. بالإضافة إلى أغياره، الذين، وفي ظن غالب وليس مؤكداَ، أنهم سحبوا صورهم من التعليق، ولم يبقَ منها سوى آثار شريطها اللاصق على ألواحها. فمن الممكن القول أن ثمة غرافيتيين دافعوا عن "أصالة" فنهم بواسطة إخفاء وجوههم، أو إخفاء بورتريهاتهم، وذلك، في حين أن الغرافيتي لم يعد، ومثلما ما هو معروف، كما كان من قبل، متحولاً، في وجهته العريضة، من تسجيل نبض الشوارع إلى مطلب من مطالب الغاليرهات. فـ"أصلي" هو مَن "يُغَرفِت" تلك الوجهة، مرة تلو المرة، من دون أن يكون "أصولياً" أو مفتعلاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها