الخميس 2017/10/26

آخر تحديث: 10:10 (بيروت)

عن شتيمة نصرالله

الخميس 2017/10/26
عن شتيمة نصرالله
من أحداث الشغب وقطع الطرق في حي السلم قبل أيام (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
السيد حسن نصر الله يُشتمُ في حيّ السلّم. مفاجأة طبعاً. فالقدسية التي أحاط نصر الله نفسه بها، ومعه "حزب الله"، تكاد تصبح ثقافة شائعة، يتقيد بها الأعداء والخصوم، قبل "البيئة الحاضنة" وحلفائها. لكن الشتيمة هذه، ليست مستغربة، ولا هي خارجة على سوية منطقية.

للوهلة الأولى، يبدو أن المجتمع المُوالي للحزب، أرهقه موت أبنائه في سوريا. وكأنه ما عاد يحتمل مسيرات التشييع، ولا التوابيت الآتية من الشرق بالمئات. ما عاد شيء يعوّضه عن شبان ومراهقين – بل أطفال – يجرّهم "حزب الله" للقتال في حرب لا تخصهم.. إلا في ما يراه "الوليّ الفقيه" الإيراني كذلك، وما يغسل به "حزب الله" أدمغتهم في المجالس العاشورائية الممدّد لها طوال شهور السنة. كأن أنصار حسن نصر الله ومبايعيه وأهالي جنوده، ما عادت تصبّرهم الادعاءات بحمايتهم من "التكفيريين" وإسرائيل وأميركا – هكذا في رزمة واحدة. ولا يهدّئهم ثواب الآخِرة لمن يذود عن المقامات والمقدسات الشيعية في سوريا، وغيرها من المزاعم التي ما عادت تنطلي على أحد. حتى أن نجل أحد شهداء "حزب الله"، شَتَم الوزير حسين الحاج حسن لأنه لم يؤمن له وظيفة "يستحقها" باعتباره ابن شهيد. فكيف إذا استتبعت هذا كله، إزالةُ مخالفات فجراً، بجرافة بلدية تؤازرها القوى الأمنية، لتنفذ ما اعتبروه قطع أرزاق مضافاً إلى قطع الأعناق؟

وإذا كان في كل ما سبق قدر كبير من الصحة والوجاهة، إلا أنه لا بد من إدراك فارق دقيق وغاية في الأهمية: فأهالي حي السلم، ومن قبلهم سكان حي ماضي والليلكي المُحتجّون على مشروع "ضاحيتي"، بالتظلّم تارة، وطوراً بالنار والرصاص والشتائم، عاتبون على "حزب الله" لأنه يسلبهم "حقهم" في أن يكونوا فوق القانون والدولة والنظام العام. يرون "حقهم" في حمايته لهم ولانتهاكاتهم على حد سواء، وهم الذين يدفعون فواتيره اللبنانية والسورية والإيرانية بالدم.


فهل يعقل أن يتغنى الحزب بمناعته، ويمتنع عن تسليم المطلوبين من بين صفوفه، من متهمين في اغتيالات سياسية وعلى رأسها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو في جرائم لبنانية ودولية أخرى، ويأتي ليطبق القانون عليهم بمعيّة القوى الأمنية؟ القوى الأمنية التي ما كانت لتجرؤ على ولوج الضاحية لأي سبب، إلا برضاه وبالتنسيق معه؟ الحزب الذي نفذ غزوة 7 أيار في بيروت والجبل، ولطالما خوّن شركاءه في السلطة من دون أن يبالي بالتبعات الأمنية والسياسية والاقتصادية. الحزب الذي يذهب للقتال في سوريا رغماً عن الموقف الرسمي اللبناني، ووردت أسماء أعضائه (أو دائرين في فلكه) في قضايا مخدرات وأدوية فاسدة وغسيل أموال. هل يعقل أن يقف اليوم موقف المتفرج على هدم أكشاكهم ومقاهيهم، بل ويرعى إزالة سياراتهم المركونة، ومصادرة دراجاتهم النارية وفاناتهم غير المرخّصة؟ هل يصحّ أن يطالبهم بأن يكونوا تحت سقف القانون؟

كأن الحزب، طوال السنوات الست الماضية على الأقل، ما فتئ يشتري من دكاكينهم، بِالدَّيْن، وقرر أخيراً التهرب من الدفع، بل هدم المعبد على رؤوس دائنيه.


لقد بنى "حزب الله" مجتمع "المقاومة"، بقِيَم السلاح الخارج على الدولة، والإيديولوجيا الدينية والمليشيوية، وبِقِيَم العشائر التي يحتاجها انتخابياً وأمنياً فلم تعتد منه أن يصارعها إلا للضرورة، ومن خلف ستار الجيش وقوى الأمن. ويريد لهذا المجتمع اليوم أن ينصاع للقانون. أي قانون؟ قانون الحزب أم القانون اللبناني؟ وما هو الفرق اليوم؟ احتار الأهالي فغضبوا وشَتَموا. ضمّنوا سُبابَهم إرسال الشباب للقتال في سوريا، وزاد فقرُهم في حنقهم.

قالوا "ضاحيتي". مشروع أطلقه اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، أوائل أيلول/سبتمبر الماضي، لتنظيم الضاحية وتجميلها، ويتضمن خطة مرورية، ومنع التعديات على الأملاك العامة، وحملة نظافة وطلاء للجدران وتقليم للأشجار. وذلك بالتعاون مع "الهيئات المحلية" (وهو التعبير الذي يتقنّع به كل من "حزب الله" و"حركة أمل" كقوى أمر واقع)، إلى جانب قوى الأمن.

"ضاحيتي" يذكّر بـ"بيروت مدينتي" التي لم تفز بالانتخابات البلدية في بيروت، لكنها صنعت جوّاً غير مسبوق، واستُقبلت برامجها بحفاوة، إذ حرّكت المياه الراكدة على مستوى التفكير في العيش في المدينة، عمرانياً وخدماتياً واجتماعياً. ثم تكوّنت حملة "نقابتي" التي خاضت انتخابات نقابة المهندسين، بخطاب "مدينتي" نفسه تقريباً، وهذه المرة فازت بمقعد النقيب.

يعبّر مشروع "ضاحيتي" عن طموح الحزب في صوغ تجربته "المدنية" الخاصة، لا سيما بعدما أصبحت الفوضى في الضاحية أكبر من أن تُطاق... وهو الذي يرطن بشعار "جناح عسكري" و"جناح سياسي". فلا الدولة موجودة في الضاحية، لأنه غير مسموح لها التواجد ولو حتى بشُرطيّ سَير. ولا للحزب طاقة على فعل كل شيء بنفسه، لأسباب مالية وبشرية وسياسية-انتخابية. علماً أنها الأسباب نفسها التي تحفّز "ضاحيتي"، بعدما فشلت حملة "النظام من الإيمان" (2009-2010) في جعل إنجازاتها مستدامة.

والحال إن إيرادات البلديات التي يسيطر عليها "حزب الله"، ستنتظم وتتراكم إذا ما سار مشروع "ضاحيتي" كما ينبغي هذه المرة. كما ستصبح المنطقة أكثر جاذبية للمستثمرين. وسيستفيد الحزب، سياسياً وانتخابياً، وخصوصاً بعد مقتلته السورية، من تصفيق جمهور ضاحيوي ضاق ذرعاً بالفلتان المهيمن على المنطقة مُضافاً إلى الإجراءات الأمنية والهيمنة الحزبية على مفاصل الحياة. ولتحقيق هذا كله، يوظّف الحزب هيمنته – مع حلفائه – على جزء معتبر من المؤسسات الأمنية والعسكرية، فلا يكون هو في صدارة المواجهات المتوقعة، وفي الوقت ذاته يشرف على كل شيء، ويعطي الانطباع بأنه ابن الدولة، أو الدولة نفسها، لا فرق.

لكن الفرق الذي لا يعيه الحزب أنه لا يمكن أن يشابه "بيروت مدينتي" و"نقابتي" إلا في الأحلام. في حين وقع ما لم يكن أحد ليَحلُمَ به: شُتِم حسن نصر الله في الضاحية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها