الإثنين 2017/10/23

آخر تحديث: 11:36 (بيروت)

ريمون دوباردون: أتيتُ إلى بيروت.. هرباً من قصة حب

الإثنين 2017/10/23
increase حجم الخط decrease
إلى صوره التي تخالف جمالية الصورة الصحافية، أضاف الفرنسي ريمون دوباردون (1942) إنطباعاته، حتى الشخصية منها، التي دوّنها في رحلاته العديدة إلى مناطق العالم المنشغلة بحروبها أو مجاعاتها. في كتابه الجديد "عزلة المسافر السعيدة" اختار بعضاً من هذه الصور "الملأى بالصحاري والمدن وغرف الفنادق. كتاب بمثابة مسودة للكتاب الأخير. هنالك دائماً مكان للحبيبة عند حدود الصورة. كأنني أصوّر رغباتي فيعكس المشهد في داخلي تلك الـ"أنا" وذلك السكون الأبدي". كتب دوباردون.


التشاد، فييتنام، أثيوبيا. من بيروت وحروبها إلى أفغانستان، مروراً ببداياته، سرد مسيرته المهنية بكلمات بعجالة متطرّقاً إلى الشخصي للمرة الأولى. الكتاب من قسمين: "ملاحظات"- 1978؛ "عزلة المسافر السعيدة"-1998، يوميات تتأمل في عزلة المصور. 

"ملاحظات" كتاب صغير صدرت طبعته الأولى في 1978 لدى ناشر متخصص بالشعر، ضم نصاً صغيراً اعتبره دوباردون "محايداً وحذراً، لكنه بداية جسّدت فكرة المصور يكتب عن صوره" كتب.

جاء في رحلته البيروتية (تشرين الثاني 1978): "هنا الضوء قاسٍ. عليّ أن أثبت قدرتي على تغطية حرب لبنان من كل زواياها. لا أحب التنقل بين خطوط التماس. خشيت إبراز تصريح بالتصوير بدلاً من آخر. كانت الوكالات تريد صوراً لمقاتلين غاضبين، لسيارات محترقة، لفتيات لبنانيات على الشواطئ، ولفلسطينيين في مخيماتهم المنكوبة.  كنت في عمر الـ36. أتيت إلى بيروت كي أبتعد عن قصة حب فاشلة".

عند خط التماس كتب: "لا نبقى طويلاً في مثل هذه الأمكنة. أرغب في العودة إلى باريس بهدوء. أهيم من دون هدف. لا أحد يعرف مكاني. إنني وحيد. أنا حجر متدحرج يسلخ عنه قشوره. إنسان حرٌ، شبح يندس بين الجموع، نحيل. ألم آت لأبحث عن العنف؟ الوسط القديم لبيروت خالٍ إلاّ من بعض الفقراء. لا أقوم بشيء مفيد. اليوم، أخطأت لقطة، لم أجرؤ على تصويرها: نسوة لبسن الأسود وتجمعن حول نعش مقاتل. لا أعمل بشكل طبيعي. كأنني أنتظر الحدث ليأتي إليّ. ربما أخشى الغش...".

السبت 11 تشرين الثاني: "الموت في غرفة فندق متواضع: هذا ما ينتظرني! لا أريد العودة إلى باريس. أغادر بيروت. أغوص في الظلام. أريد أن أكون وحيداً، عازباً، وبدوياً. عندما أسافر أشبه طفلاً.  كم وددت هذا الصباح أن أكلمك، وأبرق إليك في المساء، لكن مكتب البريد مقفل...".

من بيروت إلى باكستان يغادر دوباردون ليلاً بعد أن قرأ في الـ"أوريان- لوجور" عن قتال في أفغانستان، التي دخلها خلسة برفقة مناهضين لحكومتها المدعومة من الروس. "عبرتُ الحدود متنكراً بزي محلي، وبرفقة مترجم شاب أصبح في ما بعد يلقب بـ"أسد بيشاور"، هو أحمد شاه مسعود." كتب.

بيشاور- 18 تشرين الثاني: "غداً سأتوجه شمالاً، سأغيب وقتاً ثم أعود قبل الشتاء. أتمنى لو أصمد. حزين لأنكِ لستِ برفقتي...  (23 تشرين الثاني) بعد أيام من السير في الجبال، بلغنا نورستان حيث إلتقيت بحطابين، خلتهم جاؤوا من طفولتي وخيالي. فوجئت بالجلود التي ينتعلونها بدلاً من الأحذية... (26 تشرين الثاني) إنها الحرب. استقبلني سكان أحدى القرى وصافحوني فرداً فرداً. ثوار بالآلاف بسلاح إنكليزي قديم، يبيعون مواشيهم لشراء الزخيرة. لا ممرضين ولا أدوية... (27 تشرين الثاني) في السيران الشاق أفكر بالروسي أيزنشتاين الذي كتب عن المونتاج السينمائي وتأطير اللقطات والتطيّر... (28 تشرين الثاني) من عادات الإستقبال في القرى أن ترشق النسوة الضيوف بالجوز. المعارك يومية، الوادي محاصر من الجيش، والجيش محاصر أيضاً. صعب علي فهم ذلك. لستُ خائفاً. الشتاء يقترب. نسير مسافات طويلة، نتوقف في أوقات الصلاة. أتنفس بصعوبة. ينصحني مسعود بأن أسرع الخطى. المكان خطر. ألتقط صورة. لا أقوى على حمل حقيبتي. اجتزنا الحدود عائدين إلى باكستان "نحن محظوظون، إنها مشيئة الله" قال لي مسعود. افترقنا وأنا قلق على معداتي وأفلامي التي كان يحملها المرافقون. (الإثنين 4 كانون الأول) التقيت مسعود وتسلمت منه أفلامي".

تتعدد تغطيات دوباردون: بيروت، أفغانستان... يتوسّع في سرده لسيرته المهنيه: أزمات التصوير الصحفي، مدراء الصحف الذين يجهلون كل شيء عن الصورة، تحوله إلى هاوٍ مع تقدمه في السن... يدوّن أفكاراً لا علاقة لها بالصورة المرافقة للنص "أكتب مجرّد ملاحظات لا نصوصاً أدبية". تساءل عن الذات والهوية والزمن بلغة من صور الآخرين.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها