الأحد 2017/10/22

آخر تحديث: 10:16 (بيروت)

"شغب" رانيا اسطفان: حراك 2015 كجلبة جسدية

الأحد 2017/10/22
"شغب" رانيا اسطفان: حراك 2015 كجلبة جسدية
على طول الفيلم، لم تكن كاميرا اسطفان ثابتة،
increase حجم الخط decrease
يتساءل المشاهد بعد أن يتفرج على فيلم رانيا اسطفان القصير، الذي يحمل عنوان "شغب" (ضمن فعاليات بينالي الشارقة 13-متحف سرسق)، عن مرأى الحراك الشارعي، الذي حدث في لبنان، وأخذ من ساحة الشهداء في بيروت رجاءً له، في صيف العام 2015. ذلك، أنه يبدو، وعلى ما صورته المخرجة خلال انخراطها فيه، وأرادته عند تركيبها له، عبارةً عن جلبة متواصلة على الرغم من تقسيمها الثلاثي. وعماد هذه الجلبة ليس الكلام السياسي، الذي يرافقها، ممثلاً بشعاراته وحججه الحماسية، ولا فصلاً من فصولها الأساس، كبلوغ غاية أو إخفاق فيها، بل إنه التظاهر بما هو فعل جسدي، يتمحور حول استخدامه في مقابل البوليس بفوهات بندقياته، وخراطيم دباباته المائية.

فتلتقط عدسة اسطفان، التي تربط في موقعها بين المصورة والمتظاهرة، أجساد المحتجين أثناء احتشادها، وأثناء انفراطها. الإحتشاد يمليه التجمع للهتاف أو للسير كلفيف، والإنفراط تمليه مواجهة البوليس، الذي يفرق اللفيف بقنابل الغاز المسيل للدموع، أو بضخ المياه وضغطه. في الوضع الأول، تبين العدسة الأجساد متداخلة، ومتراطمة، بلا أن تكون مرصوصة في صف أو شكل سوي، وفي الوضع الثاني، تبينها فارة ومنفضة، أحياناً، برشاقة، ومرات، بثقل الحيرة. لكن، تمديد الوضعين ببعضهما البعض، سرعان ما يمحي أي حد مفترض بينهما، بحيث أن الإحتشاد يرافق الإنفراط لا سيما حين يقدم جسدا واحدا وأعزل على التحدي أو الهجوم، ومعهما، الإحتراس والإنسحاب.

بالإستناد إلى هذين الوضعين، تنتج الأجساد جلبتها، كصخب طبعاً، ولكن، كقطعة بشرية متأرجحة بين الشدة والإنشراح، شدة المواجهة وانشراحها على حد سواء. وقد تكون المتظاهرة، التي صورتها الكاميرا في سياق العراك، اللفظي على الأقل، مع البوليس، هي الأكثر تعبيراً عن هذا التأرجح، إذ إنها، وما كاد التلاسن ينتهي، حتى حملت علمها، وراحت تغني وترقص. تثير لحظة المتظاهرة هذه الضحك على إثر أنها أوضحت مفارقةً بعينها، وهي انتقال الجسد من غضبه إلى طربه بسرعةٍ، كما لو أنه، لا في حالته الأولى ولا الثانية، يؤدي إنفعال واضح منه حيال ما يجري أمامه، بل إنه يكتفي، وهذا من حقوقه التي لم توفرها له شح ساحاته، بالتحرك على إيقاعٍ، يختاره من الجلبة، ولو رجع إلى اختيار نقيضه لاحقاً.

على طول الفيلم، لم تكن كاميرا اسطفان ثابتة، اهتزت ونزلت واختبأت، فهي كاميرا متظاهرة أيضاً. لكن، ذلك، وفي شريطها، جعلها بمثابة كاميرا شبه مستسلمة للدائر في محيطها وفي إزائها، تتعقب أجساده، صلاتها وتباعداتها، من دون أن تذهب بالتعقب إلى غيره، كالتوثق أو التبصر. بقيت الكاميرا مصورة كمتظاهرة أكثر من كونها متظاهرة كمصورة، وهذا، في كل الأحوال، يتعلق بإشكالية العلاقة بينها وبين موضوعها، وهذا ما يعالج ناحية من نواحي هذه الإشكالية أيضاً: تصوير الحراك هو تظهير لجلبته الجسدية لأنها هي مطلعه ومآله، الفعل الشارعي للحراك كان التظاهر، صحيح، لكنه، بباكورته وعاقبته، ليس سوى حركة جسدية.

على صعيد التظاهر، لم يبقَ من الحراك شيئاً، في صعد غيره، لا يزال له آثاره، متعقبه، ككاميرا "شغب" اتجاه أجساده، سيقع على ذلك. تقول اسطفان أن فيلمها يتذرع بصوره لمساءلة "فكرة الإنتصارات الزائلة والهزيمة المستمرة"، وبحسب فيلمها، أفضت هذه المساءلة إلى أن الحراك لم يكن يبحث عن انتصار ولا عن هزيمة، بل كان زمناً جسدياً شديداً، والزمن الشديد هو أحد معاني الجلبة، في بلدٍ مقلوب الجوف، ومكشوف واقعه. لقد كانت هذه الجلبة الجسدية ضرورية، وضرورية للغاية، إذ قدرت على كسر الوجوم، الذي، ومع تبددها، سرعان ما عاد واحتل البلد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها