الخميس 2017/10/19

آخر تحديث: 10:44 (بيروت)

أسئلة العقوبات

الخميس 2017/10/19
أسئلة العقوبات
عند مفصل المسؤوليات المترتبة على المكاسب.. كيف يصبح خطاب "حزب الله" خطابَ مَن هو خارج السلطة؟ (غيتي)
increase حجم الخط decrease
بموازاة الطقس الخريفي المتقلب هذه الأيام، يلعب المزاج اللبناني العام على مقياسه المفضل: "باروميتر" الطمأنينة والذعر، من دون أن يستقر على درجة وازنة. من تصريحات المسؤولين والأحزاب، مروراً بالتحليلات والتقارير الإعلامية، وصولاً إلى أحاديث الشارع وهواجس الأفراد.. الموضوع الأثير هو العقوبات الأميركية الجديدة على "حزب الله"، تأثيراتها في الاقتصاد الوطني عموماً، وفي البيئة الحاضنة للحزب خصوصاً، بالمعنيَين الطائفي والمناطقي. 


يتغنّى "حزب الله"، كالعادة، بمَناعته، وهو المنتصر دوماً وأبداً، ولو هُزم. بفخر، يعلن أنه لن يوقف "ما بدأه"، ويشدّ عزمه على التقدّم في "نشاطه" (في لبنان؟ سوريا؟ أميركا اللاتينية؟ أم ألمانيا؟). يؤكد أن مؤسساته وقياداته لا حسابات مصرفية لها، وأنه لا يعتمد التحويلات أو التعاملات المالية. وفي الوقت نفسه، يُقرّ بأن العقوبات ستطاول فئة واسعة من اللبنانيين، وبالتالي الدورة الاقتصادية اللبنانية ككل، مُحمّلاً مسؤولية المعالجة في هذا المجال "للحكومة والجهات الرسمية".

الرئيس ميشال عون متخوف من العقوبات التي "ستلحق ضرراً كبيراً بلبنان وشعبه"، ويتمنى عدم إقرارها.. أليس من الشعب اللبناني صهرُه الذي لا يني يشارك الحزب في مشاريع مربحة؟ والحال، إن الكثير من حلفاء "حزب الله"، من خارج منظومة الحزب والطائفة الشيعية، يعبّرون في مجالسهم الخاصة عن قلقهم من المادة الأبرز والأكثر غموضاً ومطاطية في العقوبات الجديدة، وهي القائلة بملاحقة الأشخاص والكيانات المتورطة في التعامل مع "حزب الله".

حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يُطَمئن اللبنانيين والمرجعيات الأميركية المعنية، بأن المصرف المركزي قادر على التعامل مع أي عقوبات جديدة، وأن الآليات القائمة كافية لتطبيق العقوبات (المفروضة أميركياً منذ العام 2015 بحُكم قانون حظر التمويل الدولي لحزب الله) مع الإضافات التي أُدخلت عليها، مشدداً على أن "التنسيق مستمر مع وزارة الخزانة الأميركية".

أما المغتربون من الشيعة اللبنانيين، إلى جانب الشيعة المقيمين في لبنان، وتحديداً سكان الجنوب اللبناني والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، فقلقون من تجميد الأصول وحجب التعاملات المالية ومنع إصدار تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة، وأثر هذا كله في مصالحهم وأعمالهم ومشاريعهم، خصوصاً تأثُّر التحويلات المرُسَلة من الخارج والتي تعيل آلاف العائلات في لبنان. بل، إذا تبنّت السلطات الأميركية اقتراح مجلة "فورين أفيرز" لدعوة البيت الأبيض إلى إعلان مناطق سيطرة "حزب الله" مناطق "محتملة لغسيل الأموال" بموجب المادة 311 من قانون باتريوت الأميركي، فإن عدداً كبيراً من الشركات والمصارف في المناطق ذات الغالبية الشيعية ستُدرَج في اللائحة السوداء. ورغم اقتراح "فورين أفيرز" باحتواء التداعيات هذه من خلال عمل الخزانة الأميركية مع مصرف لبنان المركزي على عزل الفروع المصرفية في مناطق "حزب الله" لحماية النظام المصرفي اللبناني مع تعطيل القدرات المالية للحزب، فالأرجح أن أبناء الجنوب والبقاع والضاحية لن يجدوا المواساة في مؤسسات "بيت المال" و"جهاد البناء" و"هيئة الدعم" و"المنظمة الأمنية الخارجية"، إضافة إلى تلفزيون "المنار" وإذاعة "النور" و"المجموعة اللبنانية للإعلام"، وكلها مؤسسات ستطاولها العقوبات بشكل مباشر... إلا إذا كانت تُشغَّل بنظام المقايضة العتيق، أو تصلها موازناتها نقداً في حقائب "خط عسكري". ولم نتحدث بعد عن الأثر المعنوي والاقتصادي بين مئات – وربما آلاف – العائلات التي يعمل أفراد منها في تلك المؤسسات التابعة لـ"حزب الله"، أو العائلات المستفيدة من تقديمات تعليمية واستشفائية، ومن تعويضات استشهاد أبنائها الشباب والمراهقين في أرض غريبة.

لكن.. فلنضع جانباً كل هذه "الانهزامية" والتوقعات التي قد توهن عزيمة "الأمة المقاوِمة". فثمة أسئلة أخرى، تلحّ على اللبنانيين. ولعل كثيرين يطرحونها في أنفسهم ببراءة المواطنين الصالحين، وبحُسن نيّة المخلصين للوطن، والمناهضين لإسرائيل والامبريالية و"الجماعات التكفيرية":

كيف جرى أن "حزب الله"، المُشارك في الحكومة اللبنانية، والمُمسك بزمام السلطة من مواقع متعددة، عبر حلفائه وشركائه في التسويات التي رُكّبت على أساسها الحكومة ومن بعدها التعيينات وتشريعات الانتخابات والضرائب وسلسلة الرتب والرواتب...، يصبح خطابُه فجأة، وعند مفصل المسؤوليات المترتبة على المكاسب، خطابَ مَن هو خارج السلطة؟

كيف يفترض بالدولة أن تتحول إلى مدافع عن مصالح "حزب الله" في لبنان وخارجه، تحت شعار حماية المواطنين اللبنانيين المتضررين من عقوبات استجلبها الحزب، ولا يفترض بالحزب "اللبناني" أن يطعّم أجندته بما يراعي المصلحة الوطنية؟

هل يغامر المواطن اللبناني بالسقوط في فخ "الخيانة العظمى" إن سمح لنفسه بالتساؤل عن "فرصة" ما تتيحها تلك العقوبات، الواقعة شئنا أم أبينا، لخلق نخبة شيعية جديدة سياسية واجتماعية واقتصادية، من خارج دائرة "حزب الله" أو – لنقُل – متخففة من هيمنته؟ وماذا عن الفرصة الذهبية أمام الدولة، رغم شوائبها المعروفة، لتعويض تقصيرها التاريخي في حق مَن كانوا "طائفة المحرومين"، وهو التقصير الذي كان واحداً من أسباب عديدة مَكَّنت "حزب الله" من الصعود وملء الفراغ بإيديولوجيته وعقيدته واقتصاده وتمويله وتقديماته الكريمة؟ وأيهما المؤسف أكثر: أن يُخوَّن الأمل في عودة فئة تشكل أكثر من ثلث المجتمع اللبناني، إلى حضن الدولة، ومن بوابة الدولة نفسها دون بوابة "المقاومة الإسلامية"؟ أم أن الأمل هذا سيبقى في حدود الخيال والأمنيات، طالما أن الدولة ليست أكثر من تمثيل لمجموع القوى الطائفية التي تقتسم الغنائم العامة في ما بينها، كلّ بحسب حجمه وقوته.. وسلاحه؟

هل صحيح أنه، في أي مكان آخر في العالم، لا مفرّ لحزب أو طرف سياسي من مواجهة محاسبة وطنية ما، بعدما تسبّب في استدراج عقوباتٍ فشلت الدولة في درئها رغم محاولات كثيرة، فيعدّل أو يعتذر أو يكبح خطابه على الأقل؟

والسؤال الأكثر واقعية من كل ما سبق: مالنا ومال تلك الأسئلة البائسة أصلاً؟ فـ"حزب الله" سيكمل "ما بدأه"، وستنظف "الجهات الرسمية" ما استطاعت من مخلّفات. وهذا ليس خياراً من مروحة خيارات، بل لعله أمر.. واقع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها