الثلاثاء 2017/10/17

آخر تحديث: 13:16 (بيروت)

تجربة

الثلاثاء 2017/10/17
تجربة
أحمد سعداوي في سن الـ17 يحلم بكتابة الروايات!
increase حجم الخط decrease
بشكل عام يبدو التمكّن من صنعة الرواية أمراً يتعلق بالمهارات والتقنيات والأساليب و"الألاعيب" الفنية والجمالية. لكنه في حقيقة الأمر، بالاضافة الى ذلك فإنه يتعلق بـ"ما تقوله" من خلال الرواية وعبر الرواية.

في البدايات الأولى لأي كاتب، فإنه غالباَ ما ينشغل بالبعد أو الجانب الأول؛ الصنعة والمهارة. أن تكون قادراً على الكتابة بالبراعة نفسها للروائيين المعروفين والذين تقرأ لهم مع أصدقائك وأصحابك.

وبالنسبة للأقلية الصغيرة التي يتحوّل لديها هذا الطموح الى مهارات متراكمة، [بطيئة غالباً ومؤلمة وليس مثل شرب كبسولة على الريق!] فإن الوصول الى سيطرة واسعة على الأدوات والوسائل يكشف أمام الكاتب معضلة الشق الثاني من قماشة الرواية الواسعة: الخبرات والرؤى والتصورات والأفكار التي تنقلها الرواية.

يصبّ معظم الروائيين في أعمالهم الأولى التي يكتبونها في وقت مبكر من أعمارهم، تلك الخبرات التي تحصّلوا عليها حتى ذلك الوقت، وهي بالتأكيد خبرات محدودة. فما الذي يملكه صاحب العشرين من تجارب عميقة ومتنوعة، قياساً بصاحب الأربعين أو الخمسين وما فوق؟!
هناك بالتأكيد أقلية قادرة على التلاعب، بذكائها، على نقص الخبرة، لتنتج أعمالاً، في سنّ العشرين، ناجحة وتجذب القراءة. لكن بشكل عام ما يجعل الكتاب أكثر صموداً على رفوف المكتبات الشخصية هو ما تحويه من تجربة شخصية صادقة مع الأشياء والأحداث والمواقف والأماكن والأشخاص، تلك التي اختبرها الكاتب [باعتباره انساناً ومواطناً وشخصاً] داخل دائرة الحياة بنفسه، بيديه وعينيه وأذنيه وأنفه.

كمثال شخصي؛ بالنسبة لي، في الوقت الذي وصلت فيه الى ثقة كافية للاعلان عن مهاراتي الكتابية، كنت قد انهيت خدمتي العسكرية، ودخلت سوق العمل، متعثراً بين عدة أعمال متنوعة لا رابط بينها، وعلى طاولة الكتابة، كانت التجارب المثيرة التي خضتها أثناء الخدمة العسكرية، هي مادة تأملي الاساسية.

كتبت مسوّدة روائية عن تجاربي هذه، وعدة قصص، ثم بعد سنة أو أكثر كتبت رواية ثانية تستفيد في جزء كبير منها من مشاهداتي خلال حركتي بين المدن المختلفة في خدمتي العسكرية.

لحسن الحظ، أن انبهاري بهذه التجارب تلاشى لاحقاً مع "سماعي" و"انصاتي" المتزايد لتجارب الآخرين خلال الحروب العراقية المتوالية
مع اتساع التجربة الشخصية، تراجعت خبرتي في تلك السنوات التي قضيتها مع الخدمة العسكرية الى موقع أكثر تواضعاً، وصارت بوصلة الخبرة تتجه الى بعد أوسع، لا يعتمد بشكل حاسم الى تجاربي الشخصية كشخص وانسان ومواطن، وانما على "البحث" الذي أجريه والذي يدفعني لـ"التعرّف" على تجارب الآخرين.

لو كنت في عصر الفيسبوك والنشر السريع، كما اليوم، لكانت لدي ثلاث أو أربع روايات مبكرة [اشعر بالندم على نشرها لاحقاً] تكشف عن ضعف الخبرة الحياتية وجرأة الطموح لا أكثر.

لذلك، كدرس شخصي متواضع أضعه هنا لمن يهتم، ولنفسي كي لا أنسى؛ أنظر بعين صغيرة الى كل الخبرات والتجارب التي تمرّ بها، مهما كانت مثيرة وصادمة، ودع بوصلة الكتابة تتجه لاشباع الفضول للتعرف على حيوات الآخرين وتجاربهم وما مرّوا به من أحداث ومحن.


(*) مدوّنة كتبها الروائي أحمد سعداوي في صفحته الفايسبوكية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها