الثلاثاء 2017/01/31

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

عن طفلة مسلمة ختَمت لها الموظفة الأميركية: "مقبول"

الثلاثاء 2017/01/31
عن طفلة مسلمة ختَمت لها الموظفة الأميركية: "مقبول"
نظام الخميني أيضاً قال "إيران أولاً" وطرد أسرتي.. لكن أميركا تبقى بلادي وأضع فيها أمَلي
increase حجم الخط decrease
هذا النص، كتبته الأكاديمية والكاتبة الأميركية من أصل إيراني، مرسا باراداران، إثر مرسوم دونالد ترامب الأخير، وقد نشرته مجلة slate الإلكترونية. وهنا، ترجمته العربية.


في العام 1986، كنت مهاجرة مسلمة، تبلغ من العمر تسع سنوات، آتية من "بلد إرهابي"، من إيران، محاولةً الهرب من الحرب ومن ثورة أخطأت مسارها. أمي المحجبة، أبي، أخواتي الصغيرات، وأنا، كنا جميعاً، وبتسريحة شعرنا الدائرية، جالسين في مكتب موظفة أميركية. فحصتنا من فوق الى تحت، لكي تقرر إذا كان عليها أن تقبل أو ترفض طلب الفيزا الذي تقدمنا به. هل تعلم إنني كنت، كل صباح في المدرسة الاعدادية وكل بعد ظهر، أصرخ مع زملائي: "الموت لأمريكا"؟ هل رأت، قبل سنوات سابقة، صور الإيرانيين والإيرانيات يحرقون الأعلام الأميركية في الشوارع؟ لقد كنا الأشرار. كنا الأعداء.

هل قدرت على التكهن بأني، وخلال أعوام قليلة فقط، سأمنح إخلاصي للعلم الأميركي في مدرستي مع اعتزاز صادق في قلبي؟ بأني سأقضي كل فتوتي مشاهدةً مسلسل Saved by the Bell وساعيةً بجهد الى ان أكون "أميركية حقيقية"؟ هل استطاعت التخيل بأني سأذهب الى كلية الحقوق، بأني سأتوجه بقَسَم المواطنية الى بلادي، وبأني قضيت يوم الخميس الماضي أزرع شارعي صعوداً ونزولاً مع بناتي الكشافات الثلاثة لكي نشتري الكوكيز؟

ربما، لم تحسب كل ذلك. ربما، عرفت بأننا كنا ننام في القبو بسبب القصف الليلي، وبأننا، في أميركا، سننام في سلام. ربما، وعندما نظرت إلينا، رأت، وبكل بساطة، أطفالاً، لا تنقص قيمة حياتهم بفعل ارتداء أمنا للحجاب. كنتُ هذه الطفلة المسلمة من بلد إرهابي، هذه الطفلة التي تتنسم العيش بحرية، وقد قبلتم بي.

أعرف أن أميركا خاطرت باستقبالنا. كل مهاجر، كل لاجئ، هو بمثابة خطر. قد يكون كل منا سكيتل مسموم، مثلما قال ميم هستيري. كان من المحتمل ان أغدو "راديكالية" في إثر كل شهداء الحرب، وفي إثر القنابل "الأميركية" التي رماها صدام علينا، في إثر كل الضربات التي كنت شاهدة عليها عند زيارتي لأمي، لهذه المعتقلة السياسية التي سُجنت ثلاث سنوات. لقد ربتني الجمهورية الإسلامية على كره الشيطان الأكبر. الموت لأمريكا.

لكنني، آمنت بأميركا، وهي، بدورها، آمنت بي. هنا، توقفنا، أخواتي وأنا، عن رؤية الجثث في الشارع. في أحد الأيام، تنزهنا في أرض مستصلحة لكي يمر أحد الأوتوسترادات الكاليفورنية فيها. كانت، بالنسبة إلينا، أشبه بحديقة. ولم ار أبداً عشباً وافراً كالذي رأيته وقتها. كل أسبوع، كانت شاحنة تتوقف في مدرستنا، وكان في مقدورنا ان نأخذ منها كل الكتب التي نريد. في إيران، لم يكن لدينا شامبو أو موز. هنا، لدينا مكتبة متنقلة! أعطتني أميركا حياةً وطفولةً. غصنا فيها بنهم. تعلمنا الانكليزية خلال أشهر (شكراً مسلسل Jem and the Holograms). نظمنا حفلات رقص وسحر مع أطفال الحي. أعدنا بيعهم السكاكر المقتطعة من علبها لربح القليل من المصروف (مرحباً أيتها الرأسمالية!). لقد أحببت أميركا.

كانت هناك لحظات صعبة ايضاً. أحياناً، كان الأولاد ينعتونني بالإرهابية، او يقولون إنني نتنة، او أنهم لا يريدون اللعب مع بنت ترتدي الثوب نفسه يومياً (كان الأكثر دفئاً بين ثيابي). لكنني، أردت أن أكون أميركية، ان أكون واحدة منكم.

إلا أنني، الآن، وحين أفكر بالمهاجرين واللاجئين من "البلدان الإرهابية"، الذين سيجري منعهم بحكم المرسوم من الدخول، أستحيل واحدةً منهم. أعرف أن البعض يخافنا، ويريدنا أن نرحل. قبل مدة ليست بعيدة، لحقني رجل إلى داخل أحد المحلات، صائحاً بي لـ"العودة إلى بلدي". لكنني، في بلادي- حتى لو ان هذه القبلية الناهضة تبدو نابذة لمن هم مثلي. سخرية القدر،  بالنسبة الي، القبلية والوطنية الإيرانية هي المسؤولة عن طرد اسرتي ايضاً. فنظام الخميني ايضاً قال "إيران أولاً". أسكت الصحافة، طرد كل المختلفين، ونفى كل المثقفين التقدميين من البلاد.

أتمنى الا يكون هذا ما يجري إنتاجه هنا. لكن، وحتى في هذه الحال، تبقى أميركا بلادي، واستمر في العمل من أجل عظمتها لأنني أضع أملي فيها. هي كانت قد وضعت أملها فيَّ، في هذه الفتاة الصغيرة المسلمة داخل مكتب الهجرة، في الآتية من بلد إرهابي، والتي سيكون مستقبلها بمجمله صفحة بيضاء.

وقد ختمت الموظفة المدهشة "مقبول" على هذه الصفحة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها