الإثنين 2017/01/30

آخر تحديث: 13:32 (بيروت)

في العراق: صدّام المثليين لم يَمُت!

الإثنين 2017/01/30
في العراق: صدّام المثليين لم يَمُت!
للحكومة العراقية دور كبير في ترسيخ هذا العداء
increase حجم الخط decrease
ما زال المجتمع العراقي يعيش حالة الإنكار تجاه واقع واضح وملموس بوجود المثليين بينهم، باختلاف طبقاتهم وأماكن إقامتهم. حتى وقت الثمانينات كان الحديث عن فئة LGBT شبه مُغيب وغير حاضر في المناقشات الإجتماعية. بحسب ما أذكر، أول ظهور لهم في الإعلام كـ"ظاهرة منبوذة" كان في تلفزيون الشباب في التسعينات، القناة التابعة لعدي صدام حسين.

أظهرهم في برنامج حواري، وهم في هيئتهم النسوية من ملابس ومكياج وشعر مستعار. قدمهم البرنامج على أنهم "ثلة ضالة" ويجب اجتثاثهم من المجتمع، لأن الرجل رجل ولا يجب أن يكون غير ذلك، بحسب مفهوم راعي القناة آنذاك. تركت تلك الحلقة من البرنامج أثراً مخيفاً في نفوس العراقيين بشكل عام، إذ لم يُعرف مصير هؤلاء ماذا كان حتى وقتنا هذا. وبقيت القصة حديث المجتمع لفترة طويلة. معظم ردود الأفعال جاءت مستنكرة "للظاهرة". ترسخت في ذهنية الفرد العراقي أن "المثلية"، شذوذ ومرض وجرم أخلاقي. معظمنا كان يعاني من هذا الجهل، نظراً لعدم انفتاح المجتمع على القراءات الصحيحة حول الموضوع. كان سوق الكتب والمجلات والبرامج، مقتصراً على ما توافق عليه الدولة وتحدد فهم المواطن ومداركهِ. وكنا نعلم أن من يثبت مثليته لا يكون مؤهلاً للخدمة العسكرية.

كنتُ أظن مع دخول الإنترنت لأول مرة إلى العراق بعد سقوط النظام 2003 وتوفر الستلايت في كل بيت، سيغير من الأمر قليلاً، كما غيرت مفاهيمي التي  بنيتها عن جهل، لأني أصبحتُ أكثر إطلاعاً نظراً لتوفر المصادر بين يدي أخيراً. لكن، وبعد مرور عقدين وأكثر على ذلك البرنامج في التسعينات، يبدو أنه لم يتغير الكثير في المجتمع العراقي. بل أصبح هناك ميل للعنف أكثر والراديكالية في التعامل مع هذه "الظاهرة". على الأقل في التسعينات لم تكن هناك دعوات صريحة لقتل هؤلاء، بعكس ما يحدث الآن، وقد تعرضت مجموعة بالفعل للقتل والتصفية الجسدية بتهمة "الشذوذ": المصطلح الذي ما زال يُستخدم في الإعلام للإشارة إلى المثلية، والذي كنا ما زلنا نستخدمه لوقت قريب في الصحافة، ويتم تصحيحهُ إن كتبنا "مثلية".

نشرت إحدى الصفحات العراقية غير الرسمية في الفيسبوك مؤخراً، تديرها مجموعة مقيمة في أميركا، فيديو عن لقاء Ellen DeGeneres في برنامجها الشهير The Ellen DeGeneres Show مع زوجين مثليين كانا عنصرين في الجيش العراقي. غادر أحدهما إلى أميركا وطلب اللجوء بعد تهديد تلقاه لعملهِ كمترجم للقوات الأميركية وكذلك لصعوبة بقائهِ في العراق بسبب أنه مثلي. بقي على تواصل مع رفيقهِ عبر الانترنت لسنوات إلى أن استطاع لم شملهما مؤخراً وإعلان زواجهما. قدمت الصفحة القصة بتعليق مدسوس بالسم، رغم أن القائمين زعموا أنهم ينشرون الفيديو من باب الحريات. فهم ما زالوا يسمون المرأة المثلية بـ"السحاقية"، عندما قدموا صاحبة البرنامج نفسها في التعليق. جاءت التعليقات على الفيديو مرعبة من حيث استنكار الحالة والهجوم عليهما وكيف للصفحة أن تنشر القصة، في الوقت الذي يقاتل فيه "الرجال" داعش ويحافظون على أمن البلد. وكأن قصة هذين العراقيين، تهديد لأمن البلد وهز ثوابتهِ الاجتماعية! جاء معظم التعليقات محرضاً ضدهم، وصل بعضها إلى تصفيتهم ضمنياً. ولم تحذف هذه التعليقات بل استمر محرر الصفحة بالرد على بعضهم مع تعليق ساخر مهين بحق الشابين. ليست هذه أول مرة يظهر فيها شباب من العراق ليصرحوا بهويتهم "الجنسية" في الإعلام الغربي. فقبل سنوات رجل عراقي قادم من البصرة إلى النروج وكان حديث الميديا والإعلام لسنوات عديدة، حتى تحول إلى ناشط في هذا المجال وأعلن عن زواجه برجل نروجي العام 2011.

للحكومة العراقية دور كبير في ترسيخ هذا العداء ضد هذه الفئة عبر الدستور القائم على هذه الفقرة المتناقضة والمضحكة في آن:

المادة (2):

 اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع:

أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.

ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.

 
من يعيش في مجتمع مغلق، غير محافظ، (إذ إن هناك فرقاً بين المجتمع المغلق وبين المجتمع المحافظ) مثل المجتمع العراقي، يتعرض لأنواع الإرهاب الفكري والممارسات الاجتماعية الخاطئة، التي تجعلهُ مع الوقت نسخاً منسوخاً من هذه الأفكار المناهضة لحالات إنسانية، من المفروض أنها تبدو طبيعية ونحن في العام 2017. ولكن مع توافر التواصل الاجتماعي والمصادر، وبعدما أصبح العالم في متناول يد الفرد، لا أظن أن هناك عذراً لكل من يجيد القراءة والبحث في الاستمرار بجهلهِ أن "المثلية" هي "حالة" طبيعية جداً مثل باقي "الحالات" الإنسانية الأخرى.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها