الإثنين 2017/01/02

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

"خُمار" الربيع العربي

الإثنين 2017/01/02
"خُمار" الربيع العربي
أحوال
increase حجم الخط decrease
قالت احدى صديقاتي ان العام الجديد، 2017، لا يبدأ في اليوم الاول منه، بل في الثاني، ذلك، ان نهار 1/1 محجوز لأثر سهرة رأس السنة في اجسام المحتفلين، المكتظة بالكحول (يضيق من كثرتها)، والتي تشرع في تصريفه تحت وطأة الإعياء والدوار. فيوم 1/1 هو "اليوم العالمي للـHangover"، أو الخُمار، الذي قد يتواصل مفعوله اكثر من 24 ساعة، وكلما طال وقته، يشير الى أن ترك العام الماضي لم ينته بعد، حتى لو أن المتروك، اي الـ2016، صار آفلاً.

بالتالي، ينطوي الـHangover على مفارقة بعينها، وهي استمرار الوداع على الرغم من غياب او اختفاء المُوَدَع، وهي استمرار المهاجرة على الرغم من تواري أو زوال المهجور.
ولهذه المفارقة آيات عضوية، أو عوارض بدنية محددة، وقد يكون جفاف الفم أبرزها، اذ يستحيل خشبياً، ما يجعل نطقه بالكلمات فعلاً متعباً، بحيث تخرج من بين الشفتين اليابستين كأنها تجرحهما، ولما تنزل منهما تبدو ناضبة، وسرعان ما تنحسر حروفها، وينقضي معناها. ففي أثناء تلك المفارقة، يفقد الكلام ماءه، لا يعود رطباً، وبالكاد يبلغ سامعه، الذي غالباً ما يتلقاه كأنه مجموع من الألفاظ المقددة، التي بمقدوره الاحتفاظ بها، قبل ان يولي أذنه لها، لا سيما أنها، وعلى اساس مظهرها، لا تبدو موجهة اليه، بل الى طرف ما، يحاول قائلها التحدث معه بدون أن يكون حاضراً أمامه. هذا الطرف هو المُوَدَع، المهجور، هو علة الوداع، المهاجرة، الذين لم ينقطعا مع انصرامه، بل بقيا على دوامهما، منقلبين من كونهما طقس الابتعاد الممكن والسهل عنه الى كونهما طقس التداني المستحيل والعسير منه.

يوجه المصاب بالـHangover بعد سهرة رأس السنة، كلامه، الى موضوع وداعه ومهاجرته، الى العام 2016، لكن، ولأن هذا الموضوع مندثر، يحاول رؤيته على غيره من اجل أن يقع على سبب غثيانه وتشجنه ودواره، طبعاً، لا يستطيع إيجاده، ما يؤدي الى اشتداد خُماره أكثر: "أنا أودع، انا أهجر موضوعاً لا أعرف أين مكانه بعد اضمحلاله". وبذلك، ينتقل الى موقف آخر، أي موقف تعطيل الوداع والمهاجرة، منسحباً منهما، علّه يوقف حالته، فيتذكر وقائعهما، وقائع احتفاله بانقضاء العام الماضي، وعندها، يعتريه شعور بالذنب، لأنه ضايق هذا، أو أزعج ذاك، وقد يتصل بأي منهما، معتذراً: "لم أكن بكامل وعيي، لم أكن أنا". الا ان الاعتذار، في هذا المجال، يدور حول بغية تتعدى طلب المغفرة الى بغية طلب الانمحاء للحيلولة دون حالة الخُمار:"اعتذر لأقول انني انتهيت من الاحتفال، من الوداع والمهاجرة، ما قد يؤدي الى تخلصي من الـHangover"، الذي، وحين يستمر، يضعه على المحك بين جسمين.

فمن جهة، جسمه مخمور، وهو جسم الوداع والمهاجرة الذي ما عاد موضوعهما، اي العام الماضي، موجوداً بعد انقضائه، ومن جهة أخرى، جسمه يقظ، وهو الجسم الذي عليه ان يستقبل ويرحب بالعام المقبل، الذي جرى الاحتفال بقدومه. لكن أثر الكحول يفضي الى كونه لم يأت بعد. صراع بين الجسمين، الاول ألفه الوداع والمهاجرة، وها هو يفتش عن موَدَعه ومهجوره، والثاني صاغه الاستقبال والترحيب، وها هو ينتظر المُستَقبَل والمُرحَب به، صراع ينتج نوعاً من القلق عند المصاب بـHangover. ذلك، ليس لأنه ان يختار بين جسمه المخمور وجسمه اليقظ، بل لأنه لا يستطيع فعل هذا، فلا مواصلته الوداع والمهاجرة محتملان طالما ان موضوعهما قد زال، ولا الاستقبال والترحيب مرجحان طالما موضوعهما لم يحل: "حسناً، العام 2016 انتهى، ولو أن خُماري يقول انني لا ازال في طور فراقه، لكن، اين العام 2017 لألاقيه؟"

ثمة شدة في الـHangover، مردها الانتقال من جسم الى جسم، ومن حال الى اخرى، مردها الوقوع في الوسط بين وداع مستمر على الرغم من انتهاء موضوعه، اي العام 2016، واستقبال لا يكتمل على الرغم من بداية موضوعه، اي العام 2017. هذه الشدة، تقتضي من المصاب بالخُمار ان يتحملها، فلا يجهد نفسه في التفتيش عن موضوع الوداع، ولا عن إتمام الاستقبال، وبعبارة اخرى، ان يكون له طاقة على التحول بصمت من خاتمة الى بداية، فلا ينسحب من طقس الاولى بعدما انخرط فيها، ولا ان يستعجل الثانية بعدما اتجه صوبها، ففي حال العكس، يودي به ذلك الى المزيد من التوتر والتسمم، من توقيف الخاتمة وإعاقة البداية. 
الـHangover بمثابة وضع تحولي، تماماً، كالوضع، الذي أنتجته الثورات، منذ العام 2011، في العالم الناطق باللغة العربية. Hangover بين أنظمة انتهت واخرى لم تحل، بين زمن انهار وآخر لم يبدأ، وبين هذه وتلك، وهذا وذاك، ارتفعت خطابات وممارسات التصدي للتحول وتوقيفه، "ماذا عن المستقبل؟"، "ما هو البديل؟"، "خطابات وممارسات أحيت المنتهي، فعاد أفظع مما كان، وتخلت عن البادئ من جراء بطء قدومه. ليست الثورات احتفالات، ولا العكس، لكن، من الاثنين، يمكن استخلاص حدوث الخُمار، ربما، على احد متعقبي زمن ما بعد 2011 ان يعدّ له فصلاً  تحت عنوان "Hangover الربيع العربي". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها