الإثنين 2017/01/16

آخر تحديث: 14:15 (بيروت)

"كيفك يا ليلى" لميشال جبر: مجرد تفوُّه بالنَّص

الإثنين 2017/01/16
increase حجم الخط decrease
على طول عرضها، لم تستطع مسرحية "كيفك يا ليلى" لميشال جبر (مونو-كل خميس، وجمعة، وسبت، وأحد-حتى 5 شباط المقبل) أن تكون أكثر من كليشيه طويل، ومرد ذلك، ان نصها واخراجها لم يتمكنا من بغيتهما المفترضة، وهي البوح الجريء، فاستقر مشهدهما في مجمله على الفضح المبتذل. جاء النص ضعيفاً، ومع انه يروي قصة حقيقية، اقتبسها جبر عن تجربة احدى طالباته، لكنه، لم يتمم تقديمها، اكتفى باستعراضها النافر بدلاً من مسرحتها الوثيقة، وبإعلالها التنميطي بدلاً من معالجتها الدرامية. بالتالي، وحين أدت نيللي معتوق هذا النص، ظهر ثقيلاً عليها، فجسدته كأنها تهزل في اثره، لا سيما أنه مملوء باللغو المشتت، ولا منفذ صامتاً منه، ولو كان منفذاً مؤقتاً، ما حولها الى مجرد متفوهة به، لا الى ممثلة له.

بالاستناد الى رواية ليلى، تناولت المسرحية، او هذا هو ظنها، مسألة الموقع المجتمعي للمرأة، التي تحدد النظرة الذكورية هيئتها الجمالية والمسلكية، رابطةً اياها بمعيار النحافة الجسمية، وبمعيار الطهارة الجنسية. مثلما تناولت مسألة ردود أفعال المرأة اياها على هذه النظرة عبر الاعتصام في الشراهة المعوية من خلال الإفراط في الاكل، والمُتعَوِية من خلال الإفراط في ممارسة الجنس، والاستيهامية من خلال الافراط في تعاطي المخدرات. الا ان المسرحية استثمرت في المسألتين من دون اي اضافة عليهما، بحيث حشت الكلام في الاولى بصور ومقولات رائجة، وسحبت الكلام في الثانية الى كاريكاتورية رديئة، وعلى هذا النحو، ارتكزت عليهما من اجل ان يكونا موضوع اجتذاب فقط، لكنهما لم يبلغا هذه المنزلة، فلا السرد فيهما كان متيناً، ولا كسره بالتعليق الشتائمي كان صادماً.

بوتيرة واحدة، راحت معتوق تقص رواية ليلى، وبشدة واحدة، تفاعلت معها، فلم تتدرج في أحداثها، ولم تبين إشكالياتها، خلطت وقائعها، وقفزت بين أوقاتها، من دون ان يكون فعلها هذا سبيلاً الى مقاربة مغايرة. ضاعت رواية ليلى، وبقي كلامها، وضاعت محنتها، وبقي مظهرها، ونتيجة ذلك، لم تتضمن المسرحية اي لحظة قصوى. فحتى عندما كانت ليلى تشهر مأساة عيشها، ظل إشهارها لها متوقعاً، وحتى عندما أخبرت عن موت ابي قاسم، تاجر المخدرات وواهب العطف الأبوي، بدا خبرها في منتهى الاعتياد. لقد دار السرد على تفوّهٍ، لا يشبه الحديث اليومي، الذي يرتّبه ممارسوه قبل تداوله، ولا يقترب من الغروتسك، الذي يخالف التقليد بالهزء والمغالاة، بل إنه تفوه أجوف، لا ينطوي على التناقض، ولا يودي الى النفور.

لم "تغُص" المسرحية "في أعماق" بطلتها، وحين سعت الى ذلك، وقعت في فرويديتها الركيكة، التي اتكأت عليها من اجل صياغة "اسلوبها البسيكودرامي". لكن الأخير، وعلى ما ينتجه المسرح اللبناني، وليس كما فهمه وكتب فيه جاكوب مورينو طبعاً، هو إبراز للشخصية في حدود كلامها، وحبس لها داخله، حيث تتجمد وتعترف امام الجمهور، وقبله، امام المخرج. فشرط البسيكودراما الأولي هو عرض الشخصية للأحداث بالأفعال، وليس التزام الكلام عنها فقط.

تندرج "كيفك يا ليلى" في ذلك السياق المسرحي الشائع، حيث النص فيه مجرد سرد لتجربة معاشة من دون اي اضافة، وحيث التمثيل فيه هو مجرد بوح اعترافي لا طائل منه، وخلف النص والتمثيل، ثمة اعتقاد وهمي بأن اخراجهما "يميط اللثام عن المستور" و"يقول ما لا يقال"، في حين ان هذا "المستور" هو المكشوف، و"ما لا يقال" هو الكلام الذائع. وعلى هذا المنوال، يصير المسرح وسيلة إعلامية، كأن خشبته تطمح الى ان تغدو شاشة تلفزيونية، وكأنه يفتش عن دور له، ولا يجده سوى عبر إقلاعه عن ابداعيته، اي عبر اغتيال نفسه. أما الفشل في هذا الاغتيال، كما هي الحال في مسرحية ميشال جبر، فهو ضرب من ضروب الحطّ من شأن موته.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها