الأحد 2017/01/15

آخر تحديث: 13:56 (بيروت)

الفن التشكيلي والثقافة... الغاليري أم الفنان؟

الأحد 2017/01/15
الفن التشكيلي والثقافة... الغاليري أم الفنان؟
بعد أن كان الغاليري يفخر بأن الفنان عرض عنده، بات الفنان يفاخر بأنه عرض لدى الغاليري
increase حجم الخط decrease
بات من المعروف في الفن التشكيلي، أن يأتي الفنان بالمنتج ويعرضه على صاحب الصالة، وإن وافق الأمر ادارة تلك الصالة يصار لإقامة معرض للفنان، وتتم التغطية الإعلامية لمنتجه ويدعى الجمهور من المهتمين، ويستفيد كل من الفنان والعارض بنسب متفق عليها مسبقا، وهذا ليس بجديد في دنيا التجارة، من الطبيعي أن كل صاحب مشروع عمل يجد ضالته لدى المهتم، حيث يعرض مشروعه وتتم الاستفادة من قبل الطرفين، لكن مهلا هل نتكلم هنا عن الفن التشكيلي أم عن تجارة بحتة خاضعة للسوق؟ أليس الفن رافدا من الروافد المهمة للثقافة؟ أليس عنوانا للتسامي والتحليق في فضاءات رحبة من الإبداع؟ أم أضحى كغيره من الشؤون التجارية البحتة المسلعة وفق متطلبات العرض والطلب؟

يبدو من خلال التجربة أن الفن التشكيلي قد أضحى عنوانا تجاريا مربحا لكثير من الأطراف، ويدل على ذلك أسعار الأعمال الفنية المباعة في المزادات العالمية ككريستيز وسوثبي وغيرهما، والتي تتجاوز في كثير من الأحيان مئات آلاف الدولارات وأحيانا الملايين، وليس أدل على ذلك من فورة إنشاء وانتشار الغاليريات المختصة بالفن التشكيلي في العالم العربي والعالم، الأمر الذي يوحي بأنه يعكس تجارة مربحة، ويغطي في بعض الاحيان نشاطات تسويقية عدة.

من هنا تطرح الأسئلة، أين الثقافة من واقع الفن التشكيلي في هذه الحال؟ وما هي طبيعة علاقة الفنان بالغاليري؟ وهل بات بامكان الفنان في العصر الحالي الاستقلال عن الغاليري وتسويق أعماله بنفسه؟ ثم هل يتعامل الغاليري مع الفنان وفق إطار يحترم فنه ويحفظ كرامته أم أن الأمر غير ذلك؟


في البداية، وبعكس عدة نشاطات أخرى، تمكن الفن التشكيلي في العصر الحديث من المحافظة على الخيظ الرفيع الذي يربط الثقافة بالتجارة، فمع الازدياد المطرد في أسعار الاعمال الفنية على مستوى العالم ما زالت الصبغة الثقافية غالبة عليه، فالجرائد تكتب عن المعارض، والمقالات تدبج، وتجد فيما تجد معارضا تعالج مواضيعا ثقافية واجتماعية وغير ذلك. ولكن مع هذا فقد يشعر المرء أن البعد الثقافي ليس بالضرورة من أولويات فئة معينة من أصحاب الغاليريات، وأنقل هنا حادثة جرت مع أحد أصحاب الغاليريات العرب، "فقد قيل له ان علاقتك مع المثقفين ليست على ود، لم لا تسعى لإصلاح ذات البين بينك وبينهم؟ فأجاب: ولماذا؟ قيل له: لترويج أعمالك... فقال: ان اصحاب الوسائل الاعلامية يلهثون وراء أصحاب رؤوس الاموال للاعلان لديهم، والمقالات الفنية التي تكتب عن المعارض لا يقرأها سوى بعض المثقفين... أما المقتنون الفعليون فالغاليري يتكفل بالترويج لديهم... ثم أردف متهكما: هل رأيت مثقفا واحدا ممن يعملون او يهتمون في الجرائد قادرا على شراء لوحة واحدة من عندي؟" بالطبع هذه الحادثة تبقى في إطارها الفردي، لكنها قد تنقل بشكل أو بآخر حالة معينة لطبيعة علاقة قد تكون أضحت شبه مأزومة بين أصحاب الغاليريات والوسائل الاعلامية التي تشكل منبرا للثقافة. لكن على ما أسلفنا، لم تقع القطيعة بين الفن التشكيلي بحلته المعاصرة والمرتبط بالغاليريات والثقافة ولن تقع، فالثقافة قد تشكل جسر عبور لا بد منه بالنسبة لعدد من الغاليريات، لاضفاء مسحة انسانية على منتجهم، ولعدم خيانة أو الوقوع بالتناقض مع منتج الفنان، الذي هو بالنهاية منتج ثقافي.


أما عن طبيعة علاقة الفنان بالغاليري، فهي غالبا ما تكون غير مريحة على أقل تقدير بالنسبة للأول، وذلك بسبب كثرة عدد الفنانين التشكيليين والانفتاح على تجارب عديدة عبر الانترنت والوسائط الاجتماعية، فالفنان يسعى لعرض أعماله في أماكن معينة تعود عليه بالنجاح والشهرة دون إغفال الجانب المادي، وهذا لا يتوفر في الغالب الا عن طريق الغاليريات، فالمراكز الثقافية على أهميتها، إلا انها قد لا توفر الزبون المناسب بالنسبة للفنان، او ربما في بعض الاحيان التغطية الاعلامية المطلوبة، ما يجعل الاستقلال عن الغاليري وكأنه سباحة عكس التيار، او صراخ في برية، من هنا وبعد أن كان الغاليري يفخر بأن الفنان الفلاني قد عرض عنده في حقبة الستينات والسبعينات، بات الفنان يفاخر بأنه عرض لدى الغاليري المعين.

أما عن علاقة الغاليري بالفنان فينقسم الى قسمين: الفنان الذي يتعاون مع غاليري محدد، والفنان الذي يسعى للتعاون مع غاليري، أما الفنان الذي يتعاون مع غاليري محدد ففي الغالب تتفق ادارة الغاليري على نسبة من المبيع تتراوح ما بين 25% او 50% او حتى 80% ينالها الغاليري عند بيع أعمال الفنان، طبعا تختلف النسبة باختلاف الغاليري، وقد يعمد بعض الغاليريات لشراء أعمال الفنان وبيعها بعد ذلك بأضعاف سعر الشراء. وبذلك فإن مكسب الفنان مع شيء محدد من البعد المادي، غالبا ما يقتصر على البعد المعنوي حيث لا يبخل عليه الغاليري بالشهرة والترويج، وهذا ايضا يعود على الغاليري بمكاسب عدة بما لا يخفى على أحد. أما الفنان الذي يسعى للتعاون مع غاليري، ففي الغالب يخضع لمتطلبات السوق التي يراها الغاليري مع حد معين من التمكن من الفن التشكيلي لدى الفنان إضافة إلى جودة الموضوع والأسلوب.

في النهاية، قد تكون تلك الفورة التي تعصف بالفن التشكيلي، وتأخذه إلى أماكن إشكالية، سببها الصدمة الناتجة عن الثورة التكنولوجية، أما عن استمرار الحال على ما هو عليه أو ترديه او ربما تحسنه فيبقى سؤالا معلقا برسم المستقبل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها