الخميس 2017/01/12

آخر تحديث: 13:36 (بيروت)

"الموت لأمريكا" وشياطين أخرى

الخميس 2017/01/12
"الموت لأمريكا" وشياطين أخرى
جدار السفارة الأميركية (سابقاً) في إيران
increase حجم الخط decrease
ردّد المشيعون في جنازة الرئيس الإيراني الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، هتافات ضد روسيا لدى مرور الجنازة من أمام السفارة الروسية في طهران. وقطع التلفزيون الإيراني البث المباشر للجنازة بمجرد بدء الهتاف الذي استمر لدقائق على الهواء مباشرة، واضطر التلفزيون الإيراني لوضع موسيقى حزينة على البث المباشر لتشييع جثمان رفسنجاني بدلًا من نقلها بالصوت والصورة خوفًا من أية هتافات جديدة. 

والهتاف الإيراني هذا ضد روسيا ليس تفصيلاً. فهو جزء من الاسطوانة الخمينية، أي "الهتاف بالموت" للآخر، التي تتكرر باستمرار، وتمثل طقساً من طقوس الثقافة الخمينية. وأن تكون روسيا ضمن لائحة الهتاف بالموت في طهران، فلا يعني ذلك بالضرورة أنهما على خلاف، كما ليس بالضرورة أن تكون علاقتهما على السراط المستقيم...

هتاف إيرانيين بالموت لروسيا في خلال جنازة رفسنجاني، يعيدنا الى مذكرات الرئيس الراحل (رفسنجاني) التي أثار نشرها في موقعه الرسمي، موجة من السخط بين المحافظين المتشددين، وتحديداً حول شعار "الموت لأمريكا"... ويدّعي رفسنجاني في مذكراته هذه، والتي يعود تاريخها إلى الثمانينات، أن الإمام الخميني كان يُوافق على إلغاء شعار "الموت لأمريكا"... وأوحى ممثل المرشد الأعلى في مجمع تشخيص مصلحة النظام، محمد حسين صفار هرندي، بأن الهتاف بهذا الشعار ليس ضرورياً، على الرغم من أنه اعتبر أن هذا الشعار جاء كرد فعل على "السياسات الأميركية الظالمة تجاه إيران"... وشعار "الموت لأمريكا" كان من أبرز الشعارات التي أطلقها "الخميني" عقب استيلائه على السلطة في إيران العام 1979، وتحول هذا الشعار إلى ركن أساسي من أدبيات إيران تحت حكم الملالي، الذي دأب على رفعه في كل مناسبة دينية وخلال صلاة الجمعة في طهران وباقي المدن. ورغم ذلك، كانت معدلات الإيرانيين تتزايد من أجل الحصول على الإقامة في الولايات المتحدة عبر التسجيل في قرعة الغرين كارد.

وتمدد الشعار الأبله الى الضاحية الجنوبية في بيروت، والى مدينة صنعاء في اليمن، إذ كان أنصار الحوثيين يهتفون ضد أميركا وضد إسرائيل، وسرعان ما اعتذروا لأميركا. على هذا، يبدو شعار "الموت لأمريكا" أغنية إيرانية بالصوت الإيراني، والكورس يمتد من صَعدة اليمنية الى بعض المدن اللبنانية التي تحيي مهرجانات لحزب الله وتردد مع قبضات مرفوعة هذا الشعار أثناء خطابات حسن نصرالله.

وفي الوقائع، تبين أن الشعار الإيراني الأول زائف، وفذلكة شعبوية. اذ أظهرت الوثائق الاعلامية أن الخميني كان على تنسيق مع أميركا، وكشفت صحيفة "غارديان" المزيد عما تضمنته المراسلات بين الخميني والإدارة الأميركية إبان تحضيره للعودة إلى إيران، والتي كشفت عنها أخيراً الاستخبارات الأمريكية “CIA”، حيث توضح أن إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر مهدت لاستيلاء الخميني على السلطة، عبر منعها الجيش الإيراني من تنفيذ انقلاب عسكري. وتبدي الصحيفة دهشتها من لغة الخميني، وأسلوب مراسلاته الأقرب للاستجداء مع الأميركيين المتناقض تماماً مع مظاهر العداوة التي دأب على إبرازها في كل مناسبة...

وبعد الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، بدأت إزالة الشعارات المعادية لأميركا عن جدران طهران، وحلت محلها صور لوحات فنية مشهورة لرسامين محليين وأجانب. أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في مقابلة تلفزيونية مع برنامج "60 دقيقة" الذي تبثه محطة "سي بي إس" الأميركية، إن شعار "الموت لأمريكا" الذي يردده الإيرانيون ما هو إلا للتذكير بالأزمات المتعددة منذ 35 عاماً بين طهران وواشنطن، وهو ليس إعلان حرب على الشعب الأميركي.

ويوم بدء إزالة شعار الخميني الأبرز، كان السؤال: ما البديل منه؟ ولم يمر وقت طويل حتى نظم الحرس الثوري الايراني تظاهرة أمام السفارة السعودية، رداً على حملة "عاصفة الحزم" العربية التي استهدفت حوثيي اليمن، وسجّل إطلاق شعار "الموت للسعودية"، وصار في الضاحية الجنوبية لبيروت "الموت لآل سعود"، الى جانب شعارات أخرى مثل "الموت للتكفيريين". وكتب الصحافي التركي، علي باكير، راصداً التحوّل في "شعارات العداء الإيرانية" إن "الشعار الذي اختاره الإيرانيون منذ مدة بديلاً لشعار الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل، هو الموت للتكفيريين! وهو مصطلح كان الإيرانيون يقصدون به في البداية الوهابيين، ثمّ توسعوا فضمّوا إلى هذا المصطلح المعارضة السورية المسلّحة، ثم بات يشمل العرب السنّة! هذه النقلة النوعية في الشعارات كانت مفيدة جداً للإيرانيين، خاصّة أنّ الشعار الجديد لم يكن دخيلاً عليهم، إذ لطالما ردّد أتباع الخميني شعار: الموت للعرب، في إيران ولبنان، في الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي. والأبرز أخيراً كان التركيز على آل سعود...".

وبعد التباين الشكلي والمخادع ربما، بين طهران وموسكو بشأن الأزمة السورية، وطرق إدارة الحرب فيها، سمعنا الشعارات الخمينية الجديدة في شوارع طهران وهو "الموت لروسيا". والواقع أنه، رغم الشعارات التي رفعتها إيران بوجه دول كبرى، فإن الموت كان يحصل في العراق وسوريا وغيرها.

شعارات حروب في الشرق الاوسط. والأرجح أن ملالي إيران لا يعيشون إلا على شعار موت الآخر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها