الثلاثاء 2017/01/10

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

ميريل ستريب أكثر "أميركية" من ترامب

الثلاثاء 2017/01/10
ميريل ستريب أكثر "أميركية" من ترامب
بدأ ترامب رحلته كممثل كومبارس.. ألهذا يكره نجوم هوليوود؟
increase حجم الخط decrease
بعد الانتقاد الذي وجهته الممثلة الأميركية ميريل ستريب، إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ورَدّ الأخير عليها، كتب الزميل وسام سعادة، على سبيل المزاح الفايسبوكي، أن ترامب ربما يستعير عنوان رواية اللبناني رشيد الضعيف للرد على النجمة الهوليوودية وهو "تصطفل ميريل ستريب". علماً أن رواية الضعيف تدور حول الهواجس الجنسية لبطلها، والتي توحي بفقدان الثقة في قيمة الذكورة ومعناها خلال فترة ما بعد الحرب اللبنانية، كما توحي بالخوف من التحرر النسوي. وصوّر الضعيف "فشل العلاقة الزوجية وفشل الزوجين في إصلاح حياتهما، فكل منهما له تفكير خاص ومتحرر من التقاليد والأصول، يعيش في عالمه الخاص ويحاول من خلاله إرضاء نفسه وذاته من دون حاجته إلى شريك".

وبعيداً من إسقاط الرواية على ما حصل، وعلى "أفكار" ترامب وعلاقاته، وزوجته الشهيرة، يمكن القول بأن أجواء ترامب أو "الشبّيح الامبريالي"، ليست بعيدة عن مناخات روايات لأشهر الروائيين الأميركيين، من وليم فوكنر الى أرنست همنغواي وتشارلز بوكوفسكي. في المجمل، وبشكل تلقائي – ثقافي، في الاشتباك الترامبي - الستريبي، ننحاز إلى دموع ميريل ستريب وكلامها ضد همجية ترامب وخطابه القاسي والأرعن والسوقي. فبطلة "كرايمر ضد كرايمر"، عدا عن مواقفها النبيلة ومساندتها المرأة والسينما والثقافة والتنوع الهوليوودي، امتازت بأدوارها السينمائية "الحربائية"، إذ تتقمص أي دور يسند إليها ببراعة، وتؤدي أدوارها بشكل لا يشعر المشاهد أبداً بأنها تمثل. تمتلك مواصفات الفنان الحقيقي منذ بواكيرها الأولى، ولا يختلف اثنان على جمالها ووقارها وأناقتها، إذ لم يقلّ جمالها منذ أن كانت شابة يعشقها أهل الثقافة ومناصرو تحرير المرأة في العالم، لديها سحرها عند الكلام ولنظراتها معان لا حدود لها... وربما تكون شخصيتها جزءاً من حبنا لأميركا، على عكس ترامب الذي لا يمتلك سوى خطاب النفور والضغينة....
 
حين توجه ميريل ستريب في حفلة "غولدن غلوب"، رسالة إلى ترامب بأن "ممثلاً مثل رايان غوسلينغ الفائز بجائزة أفضل ممثل لفيلم موسيقي، إضافة إلى ممثل صاعد مثل ديف باتل ذي الأصول الكينية وهو بريطاني الجنسية نشأ في تازمانيا ويؤدي معظم أدواره في هوليوود كشخص هندي، لا يمكن أن يطردهم أحد ويبعدهم عن الولايات المتحدة"، وحين تقول إن "هوليوود تمتلئ بالأجانب، إذا طردتهم جميعاً لن تجد ما تشاهده سوى كرة القدم، والفنون القتالية المختلطة، وهي ليست فناً في الواقع"، فإنها تكون أكثر "أميركية" من ترامب، تدرك جوهر وقوة "أميركا الحلم"، وتعرف أن هوليوود هي مرآة ثقافة العالم ومرآة حياة الشعوب، ومصدر من مصادر اختراع الحياة، على عكس ترامب الذي يرى العالم أشبه بعقار، ونظرته إلى الدول محض مالية، سواء في مطالبته المكسيك بدفع كلفة الجدار الذي سبينيه على حدودها، أو في نظرته لدول الخليج العربي ومطالبته بدفع المال بطريقة التشبيح والخوة.

الأرجح أن نجاح هوليوود الأساسي يعود إلى نها حلم الكثيرين في العالم. ولو كانت حكراً على الأميركيين، لربما اضمحلت. ومثلما نقول عن ميزة هوليوود، نقول عن ميزة بيروت في زمن عزًها، إذ كانت مدينة العرب، تستقطب الشعراء والكتّاب من سوريا والعراق وفلسطين واليمن والسعودية. كانت مدينة الأحلام، وحين غادرها العرب أصيبت فكرتها بالتصدع. ومثلها القاهرة في أيام عزّها، وسائر الحاضرات الثقافية القائمة على التعدد والتنوع والتمرد والاختلاف والانشقاق والزندقة، وليس على القوقعة. وهوليوود، بممثليها المحليين والأجانب، لطالما كانت جزءاً أساسياً من خطط بناء أميركا والدفاع عن مبادئها وقيمها، سواء بأفلام تروج للحلم الأميركي أو للسياسة الأميركية (داخلية أو خارجية) بل وتمرر رسائل من أجل بناء المستقبل الأميركي.  

ترامب "الأميركي الأبيض"، وعاشق المصارعة الترفيهية وتنظيم حفلات ملكات الجمال، حين يكون ضد نجوم هوليوود، حتى وإن كانوا ضده في السياسة، يكون ضد أميركا نفسها، ضد مميزات أميركا التي نعرفها. ترامب ضد ترامب..

طبعاً، من الحماقة التوهم بأنه يمكن الجدل مع ترامب. فهو يصف ميريل ستريب بـ"الليبرالية"، كأن الليبرالية تهمة في زمن صعود "القومية الشعبوية". وهذا ما يذكرنا بالتُّهم التي كانت توجه للمعارضين في الأنظمة الشيوعية الستالينية، أو التُّهم التي كانت توجه للمعارضين في زمن أميركا الماكارثية... وترامب اليميني، المؤمن بتفوق "العرق الأبيض" (وهذا أيضا ضد أميركا المتنوعة منذ تأسيسها والتي تختصر العالم بأطيافها وأجناسها وأعراقها)، مثل مكيافيللي، يفهم أن القيادة لا صلة لها بالأخلاق، بل هي ممارسة السلطة بالقوة التامة، وهدفها إنشاء دولة قوية ومستقرة، وليست بالضرورة "دولة جيدة أو فاضلة". ومن صفاته أنه لا يقرأ إلا قليلاً، إلى حد أنه لم يكمل قراءة كتاب في حياته، ومكتبه مليء بمجلات تحمل أغلفتها صوره. لذا، لا يمكنه أن يحب ميريل ستريب. وأكثر من ذلك، فقد بدأ رحلته بدور ثانوي في فيلم أميركي، ككومبارس سينمائي مغمور، وربما لهذا السبب يكره نجوم هوليوود.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها