السبت 2016/09/10

آخر تحديث: 14:57 (بيروت)

التأثير العربي في إيطاليا.. بداية حب

السبت 2016/09/10
التأثير العربي في إيطاليا.. بداية حب
طيف العرب في صقلية
increase حجم الخط decrease
ربما تباطأت الدراسات المقارنة التي تتقصى تأثر الآداب ببعضها البعض، خاصة تأثير الدراسات والأدب العربي على غيره من الثقافات، وانصبت البحوث المقارنة في بداية نشأة ما يسمى الحداثة وما بعدها على تأثير النظريات الغربية في الفكر والأدب على الثقافة العربية.
في البحث الذي عكف عليه الباحث الإيطالي المقيم في القاهرة دانيلو مارينو، عاد هذا التقصي مرة أخرى في تتبع أثر الثقافة العربية على ثقافة دول البحر المتوسط خاصة في مرحلة ما قبل عصر النهضة وحكم العرب لصقلية وتأثير ذلك على تشكيل شكل الشعر الغنائي والفلسفة في أوروبا وبالأخص إيطاليا وفرنسا.

أهتم البحث الذي اطلعنا عليه كاملاً – تم إلقاء جزء منه بمحاضرة في المركز الثقافي الإيطالي قبل أسابيع، والذي تمكن الباحث من إنجازه بعد سنوات من الدراسة في النظر أولاً في فكرة التأثير والتأثر وما مرت به من مخاضات، بعضها كان مرناً وبعضها الآخر كان عصيباً ومنغلقاً، وأثرت هذه المخاضات في الثقافات التي تود التداخل فيما بينها، والمظاهر والأشكال الفكرية والأدبية الناجمة عن ذلك.

بدا من عنوان الدراسة التي وسمها الباحث بــ" بداية حب"، حالة من الإمتنان لهذا التأثير العربي خاصة بالمدرسة الصقلية في الثقافة الإيطالية، فضلاً عن كون الدراسة فصلت جانباً أكبر من البحث في مسألة تأثر الشعر الإيطالي بالشعر العربي، تحديداً في مسألة الحب والغزل وموضوعاته، مع بعض الاستشهادات بنماذج من الشعر الإيطالي التي تبدو متطابقة في موضوعاتها المتعلقة بالحب بل وحالتها وموسيقاها التي كانت فريدة في الشعر الإيطالي قبل ذلك.

وعقد دانيلو مارينو في بحثه مقارنة بين نصوص الشعراء مثل: ستيفانو بورتناتور، وجياكومو دي لينيتي، وتشييلو دالكامو الذين ينتمون للمدرسة الصقلية والذين عاشوا في القرن الثالث عشر، وبعض الأبيات الشعرية لشعراء عرب عاشوا في صقلية قرنين أو ثلاث قرون قبل هؤلاء، لنجد أن هناك تطابقات وتشابهات بين الإنتاجين الفنيين المتعلقين بالشعر العاطفي "شعر الحب" مع استثناء لون الشعر الإطرائي/ المدحي، والوصفي.

واستشهد مارينو في ذلك بعدة زوايا تتعلق بالحب، منها نظرة الحبيبة التي قد تودي إلى الموت والتي اعتبرها مارينو من خصوصيات الشعر العربي، فقد شاع  في الشعر الغنائي اليوناني واللاتيني والشعر المتجول "تروفادور" فكرة الحب الناتج عن النظرة، لكن النظرة المؤدية للموت، أو النظرة التي تجرح وتتسبب في أمراض القلب والوفاة، كانت من ملامح الشعر العربي وشعر مدرسة صقلية على وجه خاص، وظهر في أشعار ابن البنلوبي وجياكومو دا لينتيني، وابن الطوبي وكافالكانتي، وابن حمديس وتشيالو دا الكامو.

اعتبر دانيلو مارينو ان القرن الثاني عشر كان أوج المراحل التي احترمت فيها صقلية الأدب العربي، وعندما وصل النورمان إلى صقلية واستولوا عليها، كان ملوك النورمان محاطين بزمرة من الشعراء العرب الذين كانوا يغنون لهم قصائد الإطراء والمدح مثل الأبيات الخاصة بابن قلاقس، فيما بلغ أوج الأدب العربي خلال فترة حكم فيدريكو الثاني في النصف الأول من القرن الرابع عشر، إذ كان فيدريكو يجيد اللغة العربية، فترتب على تشجيعه ودعمه نشأة المدرسة الشعرية باللهجة الصقلية، وكان يطلق على هذه المدرسة "المدرسة الصقلية" التي كان يتم مزج الأشعار اليونانية واللاتينية والبروفانسالية (نسبة إلى بروفانس جنوب فرنسا) والعربية، وفي عام 1266، ومع وفاة مانفريد ابن فريدريك الثاني، ضعٌفت قوة عائلة وبيت سفيفيا Svevia ونضُبت وتلاشت تجربة المدرسة الصقلية، وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر، ومع انتقال الهيمنة والصدارة الثقافية إلى الشمال، في إيطاليا البروفانسنية دخل الشعر الغنائي الشعبي فى السياق السياسي البروفانسالي حيث تم مراجعة مبادىء الشعر الغنائي الخاص بالبلاط الملكي".

يعتبر دانيلو في بحثه أن قضية التأثير "المحتمل" على الشعر الغنائي الإيطالي لم تحسم بعد، ويجد أنه لا يمكن إغفال أهمية الوساطة العربية في نقل المعرفة والعلوم اليونانية من خلال الترجمات القيّمة للنصوص، التي لولاها – أي هذه الترجمات – لم يحدث الوقوف أبداً على هذه المعرفة، خاصة في المساهمات والشروح للنصوص العربية في العلوم مثل الفلسفة وعلم الفلك، والجبر والرياضيات والطب والتي بترجمتها إلى اللغة اللاتينية كان لها نجاحاً كبيراً في أوروبا خلال العصور الوسطى.

أشار البحث أيضاً إلى أسماء كتّاب وفلاسفة عرب مثل الغزالي، وابن سينا وابن رشد والفلكيين والمنجمين مثل أبو معشر، والفرجاني، والبتروجي، باعتبارها لم تكن بالنسبة للكاتب الإيطالي الشهير دانتي مجرد أسماء بسيطة، ولكنها كانت تعكس قوة علمية حقيقية وجبارة آنذاك.  بالأخص عند قراءة "الوليمة" لدانتي، والموناركيا أو النظام الملكي، يتضح أن دانتي عرف الفلسفة والعلوم الإسلامية من خلال الترجمات اللاتينية أو النقل غير المباشر من أعمال الفيلسوف اللاهوتي الألماني ألبرتو ماغنوس، وسان توماس.

ويستعرض دانيلو في بحثه مواقف أحد أبرز الكتّاب الأيطاليين معارضة لانتشار العلوم والعربية في أوروبا وهو الشاعر الإيطالي فرانشيسكو بتراركا ( 1304 – 1374 ) وكان من أشد المختلفين تجاه العلوم العربية، وظهر ذلك من خلال رسالة بتراركا الشهيرة باللاتينية والموجهة لصديقه بادوفا جوفاني، والتي أعلن فيها بتراركا عن غضبه من النجاح المدوي الذي حققه الكتّاب العرب في إيطاليا وفرنسا، والذين وضِعوا في مكانة كتّاب وفلاسفة ماقبل الكلاسكيين اللاتينين والذين كان بتراركا يقدسهم.

كما استعرض البحث موقف الشاعر الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو (كان صديقاً وطالباً لبتراركا) الذي سار على  نهج معلمه، لم يختلف موقفه كثيراً من العلوم العربية، ولكنه اختبر وباحترام كبير العلوم العربية، وبالأخص الفلاسفة – الأطباء، والفلكيين، والرياضيين، ومقتطفات بوكاتشيو باللغة العامية واللاتيني مثل "الرؤية العاطفية"، وعلوم الأنساب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها