السبت 2016/07/23

آخر تحديث: 12:22 (بيروت)

زمن الحظيرة الجميل

السبت 2016/07/23
زمن الحظيرة الجميل
اللعب مع الكبار
increase حجم الخط decrease
1
وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم، محرر ثقافي قديم، وكاتب صحافي له موقف معروف في مناهضة الأفكار الرجعية والمتشددة، ومن القليلين الذين تربوا قريبين من مؤسسة الثقافة الرسمية، ومع ذلك استطاعوا الحفاظ على علاقة طيبة مع الشارع الثقافي المقابل لحُضن الدولة، أصدقاء الجميع، الذين اتكأوا على فكرة "التغيير من الداخل".

2
منذ أيام، اجتمع الوزير "الكاتب وصديق المثقفين"، بأعضاء لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب. طالبهم بأن يضعوا ضوابط تشريعية "تمنع منح جوائز الدولة التقديرية لأي شخص يناصب الدولة العداء". نعم، بهذا الوضوح!

آلية منح جوائز الدولة، لمن لا يعرف، تتلخص في حق جهات عديدة أن ترشح من تراه مناسبًا للجائزة في مجالاتها المتنوعة "آداب وفنون وعلوم اجتماعية"، قبل أن تخضع أسماء المرشحين إلى تصويت أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، الذين يتم تعيينهم وليس انتخابهم. بعضهم بحكم وظيفة يشغلها في الدولة، وبعضهم لقيمته الأدبية.

النمنم برر مطلبه بالخوف من أن نُفاجأ ذات يوم بترشيح أشخاص مثل يوسف القرضاوي، الكادر الإخواني المعروف، لنيل الجائزة. حيث لا قانون يمنع هذا. وهو ما يستدعي بضعة أفكار، مع توسيع للخيال، وافتراض أن طلب الوزير أتى من رأسه مباشرة:
الوزير يعني أنه لو تحقق الخيال الجامح، وقامت جامعة أو جهة ما بترشيح القرضاوي لنيل الجائزة، فستصوّت لصالحه غالبية أعضاء المجلس الأعلى للثقافة. كأن هؤلاء الأعضاء، متعددو التوجهات، وكأن بينهم معارضون يساريون وسلفيون وإخوان، وكأن اختيارهم يأتي موضوعيًا!

يقصد أيضًا أن دولة السيسي تحتاج لضوابط من مجلس النواب كي تمنع جوائزها عن أعدائها، وهذا طبعًا لأنها دولة قانون!

ولأنها دولة قانون، لا تلتزم بالقانون الحالي، لكنها تذهب للبرلمان كي "يفصّل لها واحداً"!

الوزير يفترض أنه ليس في الأفق ما يشير إلى أي تغيير ينقل معارضي الدولة من مكانهم إلى مكان غير المعارضين.

أفترض حسن نية الوزير. هو يطالب بهذا، خوفًا على الدولة من المتاجرين بالدين والظلاميين على أنواعهم. لكن يشغلني سؤال: ماذا لو تصالحت الدولة مع الإخوان يومًا ما؟ والتاريخ يقول إنهما تصالحا مرارًا من قبل. ماذا سنفعل بتلك الضوابط التي سيكون المجلس الموقّر قد وضعها؟

يقدم الوزير طلبه إلى مجلس النواب، في أعقاب حرب غير شريفة شُنّت قبل طلبه بأيام، من قِبل بعض "المديوكر" و"المطبلاتية"، أو بالأحرى المخبرين، ضد شاعر مصري حصل مؤخرًا على جائزة الدولة، لمجرد أنه تفوه في لحظة انفعال بكلام في حق 30 يونيو. وكأنه "غِلِط في البخاري". الوزير، ربيب الأساتذة، يستجيب للمديوكر.

3
لست مجنونًا، ليكون لدي، في هذا الزمن العجائبي، ظنًا جيدًا في أي شيء يتعلق بالشأن العام. لا أنتظر من وزارة الثقافة أن تكون عازفًا ماهرًا في فرقة موسيقية بائسة بالكامل.

أنت فقط تستعجب مما وصلت إليه الأمور من وضوح وفجاجة في اللعبة السياسية، خصوصًا وأنك تفترض في شخص وزير الثقافة، شيئاً من خبرة اكتسبها عبر علاقة عميقة برجال الثقافة الرسمية أيام مبارك، وبعض الحرج أمام أصدقائه الغاضبين في الشارع الثقافي. وتتذكر تلك الأيام قبل يناير 2011. وقت كانت الدولة تُدلل معارضيها بمحاولات إدخالهم في ما اشتهرت تسميته بـ"الحظيرة"، وذلك الاتهام الذي لطالما طارد الناقد جابر عصفور، بأنه رجل مبارك البارع في "تدجين المثقفين"، ومبادرات تقليد البعض مناصب ملائمة، وإعطاء آخرين جوائز. ومع هذا، حتى في خطة "التدجين" تلك، كانت الدولة تحاول اختيار مُواليها الأكفأ، بل كانت تزيد فتدلل أحيانًا بعض معارضيها الأشداء، فتذهب جائزة لصنع الله إبراهيم مثلًا، وإن رفضها.

اللعب لم يعد مع الكبار. والنمنم ليس سوى واحد من اللاعبين الجدد ضمن فريق يقوده فقير الخيال. وكما باقي مجالات الشأن العام، حيث الجميع يترحّم على زمن الفاسدين "الشُطار"، بات المثقفون، مصريين وعرباً، يترحمون على أيام جابر عصفور وزمن "الحظيرة الجميل"، بعدما صارت اللعبة مملة مع صغار اللاعبين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها