الثلاثاء 2016/06/28

آخر تحديث: 12:00 (بيروت)

ليليان الحزينة.. رأيناك كالقمر

الثلاثاء 2016/06/28
ليليان الحزينة.. رأيناك كالقمر
ذهبت ليليان داوود، آخر عنقود المغدور بهم
increase حجم الخط decrease
1
لأننا اعتدنا فداحة الثمن في هذا العصر المجنون، لا تأخذني الدهشة بقدر ما يملأني الخوف. وأتساءل عما كان يمكن أن يحدث لليليان داوود لو لم يكن لها بلد آخر يرحّلونها إليه. لو كانت فقط مصرية. كل هذه العدوانية وروح الانتقام من ضمير حيّ.

الذين سبقوها باتوا أرقامًا. وهي ليست أغلى من هؤلاء أو أقرب لقلب الديكتاتور. وأي ديكتاتور.

لطالما فكرتُ، محاولًا فهم أسباب الدولة المصرية لأن تتركها في حالها حتى الآن. لعلها الحيلة القديمة. ترك شيء خفيف من المعارضة على سبيل المراوغة. أنا أبله كالعادة.

2
بالأمس، انتهى التعاقد بين الإعلامية اللبنانية وبين فضائية "أون تي في"، ضمن حملة إزالة الدولة لما تبقى من روائح الإعلام المعارض، بالأحرى إعلام الثورة. سيطرة السُلطة تجاوزت التلفزيون الرسمي والجرائد الحكومية إلى كل ما هو مرئي ومسموع ومقروء.

وبينما ذهبت ليليان إلى بيتها تفكر في المرحلة الجديدة من المستقبل، جاءها المستقبل سريعًا في هيئة 8 رجال أمن يرتدون زيًا مدنيًّا. أخذوها من دون السماح حتى بتغيير ملابسها. طلبت إذن النيابة، أخبروها أنهم ليسوا بصدد القبض عليها، هُم هنا لترحيلها خارج الأراضي المصرية، بحجة انتهاء عقد عملها. قالت إن إقامتها قانونية، فهي زوجة سابقة لمصري، وأم لفتاة مصرية. قالوا: أوامر من مكتب الرئيس. وخرجت بحقيبة يدها.

3
المصادفة أنقذت طفلتها من البقاء وحيدة بعد القبض على أمها، حيث أتى والدها، وفي ذهنه اصطحابها للاحتفال بعيد ميلاده.

أول تصريحات ليليان بعد وصولها بيت أهلها في بيروت كانت لموقع "إعلام. أورج". قالت ضمن ما قالت، إن ابنتها انتابتها حالة من البكاء، وأنها تحمد الله على وجود والد الابنة بالمصادفة، "لا سيما أن الضابط لم يبد اهتمامًا بمشاعر الطفلة الصغيرة وبكائها". سألها عن المكان الذي ترغب في السفر إليها، قالت: بيروت.

امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي باسمها مصحوبًا بالهاشتاغ: "متضامن مع ليليان داوود". ما الجديد؟ اعتدنا التضامن، اعتدناه حتى أصبح روتينًا يوميًا. غدًا ننسى الصفعة بصفعة جديدة.
ليست هي التي تحتاج التضامن. نحن الذين نحتاجه، وهي كانت آخر المتضامنين معنا. رحّلوها كما يفعلون مع الخارجين على القانون.

تسربت صورها في مطار القاهرة بصحبة أحدهم. ملامحها الجادة والقوية لم تسعفها في إخفاء الحنق والغضب. هو الشعور بقلّة الحيلة، وتكتيف اليدين أمام الغدر. ولكن، بمن تغدر؟ أعتذر عن السؤال الغبي. نعم، هؤلاء هم أعداؤك الحقيقيون، ليس الفساد والجهل ورجالك الفاشلين. رؤيتهم موجعة أعرف. أذناك لا تحتملان سماع مطالباتهم المستمرة بتحقيق أهداف الثورة التي تدّعي محبتك لها. هؤلاء من يذكرونك بالفقراء الذين تمد أذرعتك في جيوبهم، وتطالبهم بأن يصبّحون على مصر بجنيه. هُم من يصرّون أن "تيران وصنافير مصرية".

ذهبت ليليان داوود، آخر عنقود المغدور بهم، إلى حيث زملائها في الضمير. يسري فودة، دينا عبد الرحمن، ريم ماجد، وغيرهم. أسماء لا تليق بعصرك الذي سيرتبك التاريخ في تصنيفه.
منذ أسابيع، حصلت صاحبة "الصورة الكاملة" على حكم قضائيّ ضد الصحافي محمود الكردوسي، بتهمة سبّها، بعدما تعدى عليها لفظيًا، في مقال دال على أن علاقته بالرقص البلدي أعمق بكثير من علاقته بالعمل الصحافيّ. كننا في عصر "القضاء الشامخ"، حيث صاحب الحق يسبب لأولي الأمر وجع الرأس هم في غنى عنه.

عزيزتي ليليان:
بعد السلام والتحية الكبيرة جدًا.
مكانك الطبيعي ليس على شاشة هذا العصر. ولكن بيننا، حتى "تكتمل الصورة". حدود الجغرافيا أضعف من القدرة على إبعادك. والحزن الكبير الذي ملأ وجهك في مطار القاهرة، لم يمنعنا من رؤيتك كالقمر في اكتمال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها