الخميس 2016/06/23

آخر تحديث: 12:40 (بيروت)

صونيا براغا لـ"المدن": قمع الجسد ليس مستحباً

الخميس 2016/06/23
increase حجم الخط decrease
صونيا براغا نجمة كبيرة في البرازيل ووجه معروف جداً في البلاد ذات الثقافة اللاتينية، خصوصاً في البرتغال حيث تقول أنّها “أكثر شهرة من بابا الفاتيكان”. تولّيها البطولة في فيلم “أكواريوس” لمواطنها كليبير مندونسا فيلو، نفخ روحاً جديدة في مسيرتها المهنية التي انطلقت في مطلع الستينات على خشبة المسرح، فعادت إلينا امرأة ستينية ناضجة تدرك جيداً ماذا تريد، وتجيد ممارسة الإغواء على الشخص الذي يقابلها. توقَّع الجميع أن تنال جائزة التمثيل في الدورة الأخيرة من مهرجان كانّ حيث عُرض “أكواريوس” للمرة الأولى، إلا أنّ ذلك لم يحصل. ولكن كان يكفي أنّها أشعلت العواطف. في “أكواريوس”، تضطلع براغا بدور صحافية اسمها كلارا تخصّصت سابقاً في النقد الموسيقي. هي آخر قاطني مبنى مهجور شيّد في الأربعينات. شقتها تعني لها الكثير من الذكريات والحنين. إنها صامدة في المبنى، رغم الإلحاح الذي يمارس عليها لمغادرته، ذلك أنّ مضارباً عقارياً يريد إخراجها مقابل عرض مغرٍ لا تريد السيدة العنيدة معرفة فحواه حتى. أمام رفضها المتكرر، يتحوّل اصرار المضارب السلمي إلى تهديد مبطن. إلى أين يصل خبث الرأسمالية لتحقيق هدفها ومعاقبة كلّ ما يعترض طريقها، هذا ما يريد الفيلم قوله.

لم يسند المخرج الدور لبراغا من دون معرفة تاريخها النضالي المشرف. فهي من اللواتي جمعن بين الوقوف على السجادة الحمراء في "كانّ" للاعتراض على الانقلاب الذي كان يتحضّر على ديلما روسيف، والظهور عارية على غلاف مجلة “بلايبوي” أيام عزّها. الممثلة التي تتحدر من عائلة فنانين تعيش حالياً في نيويورك بعيداً من مسقطها، دخلت التمثيل في سن الثالثة عشرة، قبل أن يطير صيتها في مسلسل “غابريللا”، وتمثل في إدارة كبار السينمائيين، من مثل روبرت ردفورد وبول مازورسكي وكلينت ايستوود. وبالتأكيد، أهم مساهمة لها إلى اليوم تبقى الأدوار الثلاثة التي تولّتها في “قبلة المرأة العنكبوت” لهكتور بابنكو (١٩٨٥). "المدن" التقت براغا وكان لنا معها الحوار الآتي. 


* في مطلع الفيلم، نرى الشخصية التي تضطلعين بها في فترة الثمانينات. ماذا تعني لكِ العودة إلى هذه الحقبة، حيث كنتِ في ذروة شبابك؟
- مع هذا الفيلم، حياة جديدة أطلّت أمامي. الحكاية بسيطة جداً: مدينة، مبنى والسيدة التي تقطن فيه. في الواقع، رداً على سؤالك، عندما تذهب إلى موقع التصوير، فإنك تذهب إليه باستعداد جسديّ تام. إنك الشخص الذي سيهب نفسه إلى المخرج. لديّ استعارة أفضل لشرح الوضع: إذا أردتَ الولادة مثلاً، لا تستطيع الذهاب إلى المستشفى وأنت لستَ حاملاً. لن يستطيعوا وضع طفل في داخلك. أليست هذه صورة جميلة؟ (ضحك). 


* الفيلم حافل بالموسيقى، هل شاركتِ في اختيارها؟
- لا، معظم المقطوعات الموسيقية كانت موجودة في السيناريو.


* هل تتحضّرين للدور عموماً؟ وكيف تفعلين ذلك؟
- نعم. في هذه الحال، عندما قرأتُ السيناريو، شعرتُ أنّ في حوزة أحدهم الكلمات المناسبة لما كان في داخلي منذ زمن طويل. كأنّ ما في داخلي بدا عاجزاً على التواصل مع عقلي، وعقلي بدوره كان غير قادر على الانصهار مع مشاعري لفرط ما كانت قوية. لذا، عندما قرأتُ النصّ، قلتُ لنفسي: “يا إلهي، هذه هي الكلمات التي أبحث عنها، هذه هي منصتي”.


* هل هذه هي المرة الأولى تشعرين فيها أنّ الشخصية هي أنتِ وقريبة منكِ إلى هذا الحدّ؟
- سبق أن اضطلعتُ بدور غابرييلا في مسلسل تلفزيوني (١٩٧٥) يحمل اسم الشخصية. لم أنتبه إلى الفارق بيني وبين الشخصية. أحياناً، كنت أقول لنفسي: “يا إلهي، عليّ أن أمثّل من وقت إلى آخر”. لم أكن أحتاج إلى التمثيل! كانوا يصوّبون الكاميرا في اتجاهي وهذا كلّ شيء. حتى الآن، يأتي الناس إليّ ليقولوا لي أنه ثمة شيء مميز في شخصية غابرييلا. كانت العلاقة بيني وبين الجمهور مثالية على غير صعيد، وقد لا تتكرر. ذاع صيت المسلسل في البرتغال كثيراً، إلى درجة أنّني صرتُ أشهر من الحبر الأعظم هناك. حتى أنّه تمّ قطع النقل المباشر لحدث سياسي مهم على التلفزيون عندما حان موعد عرضه. 


* هل ما زلتِ تحملين في داخلك شيئاً من تلك الشخصية؟
- بلى، هناك شيء له علاقة بالمرأة. عادةً، لا أضع الماكياج البتة. عندما أكون في نيويورك أو مع أصدقائي في السهرات، لا تراني في مثل هذه الحالة. كما أنّني أكره الكعب العالي، ولا أفهم لِمَ على المرأة الالتزام بكلّ هذه الأفعال.


* لنعد إلى الفيلم: هل تتماهين مع شخصية فريدا، وهي امرأة قوية للمناسبة؟
- لا أعتقد أنّها قوية. هي لطيفة وتعيش حياتها كما يحلو لها. عندما كنت صغيرة، تربيتُ في مكان توجد الأفاعي فيه. هذا أتاح لي تأمُّل مدى سلمية الحيوانات. الحيوانات مسالمة إلى أن تشعر بأنها في الخطر. في إحدى المرات، كنت أتمشّى على الطريق، فرأيت أفعى. لم أفعل إلا العودة أدراجي. كلٌّ منّا ذهب في طريقه. احترام كلّ انسان لحدوده وحيّزه الخاص هو الذي يجعل العالم مسالماً. لو طُلب مني إيواء بعض اللاجئين في بيتي، لرحّبتُ بالفكرة. أما أن تأتي الجرافات لإزالة بيتي، من أجل المال والربح، فهذا أمر غير مقبول. لا يمكنك استبعاد الناس من أماكن سكنهم فقط كي تربح المال. هنا لا تعود المسألة تخصّ فريدا، بل تخصني أنا، صونيا. بتنا في زمن انحطاط رهيب، علينا أن نعيد حساباتنا في كلّ شيء. أعتقد انه على العالم التكاتف لإيجاد حلول لنقص المياه والطعام وإلى ما هنالك من مسائل شائكة. لقد آن الآوان. لم يعد يُجدي تأجيل كلّ المصائب التي تمتلئ بها دنيانا. كما قلتُ لك، لا أرى أنّ شخصيتي قوية، في المقابل يمكن القول بأنها عصرية جداً. ويتجلى هذا من خلال علاقتها بابن أخيها. في الثمانينات، عندما بدأتُ أسافر وأخوض مجال التمثيل، كان ثمة شيء اسمه تيليغرام. عندما شاركتُ في مهرجان كانّ، وفور وصولي إلى الفندق، بدأت تصلني برقيات. عندما قرأتها اكتشفتُ أنّها لناس يباركون حضوري إلى المهرجان. هذا زمن عشته طولاً وعرضاً، واستمرّ نحو عشرين عاماً. اليوم، تغيّر العالم وتكاثرت وسائط التواصل، وأنا معها كلياً. 


* تعيشين معظم وقتكِ خارج البرازيل؟ كيف تنظرين إلى بلدك من بعيد؟
- لا، سأقول لكَ كيف هي البرازيل من الداخل! لأنه لديّ كمبيوتر وأتواصل باستمرار مع شخص هناك عبر الـ”سكايب”، وأرى منزله وأشياءه. لي منزل في البرازيل أزوره بين حين وحين، ليس للعمل بل لقضاء بعض الوقت. ما يحصل في بلدنا تراجعٌ كبير على المستويات كافة. مشكلتي أنّ الكثير من الناس يعتبرون هذا التراجع تطوّراً. لم تشهد البرازيل انقساماً حاداً كالذي تشهده حالياً. أضف إلى أنّه ثمة العديد من الكلمات التي علينا أن نناقش معناها الحقيقي اليوم في ظلّ الراهن. الكلمة سهم. عندما تنطق بكلمة عليكَ أن تفكّر مراتٍ ثلاث. علينا أيضاً أن نبتكر المزيد من الكلمات. 


* هل كان تصوير مَشاهد الجنس في الفيلم صعباً، خصوصاً أنّك تجاوزتي الستين من العمر؟
- لم يكن صعباً البتة. طالما أحببتُ ممارسة الجنس على الشاشة. في العصر الفيكتوري، تمّ فصل الإنسان عن حياته الجنسية. كانوا يطلبون منه التكتّم عنها. حتى اليوم، المُشاهد يتلقّى تناقض هذه “التعاليم” كشيء استثنائي. ينبغي للجنس أن يكون شيئاً عادياً كالطبخ والمشي في الشارع. إنّه ذروة الإنسانية. أنا هكذا منذ الستينات؛ لا أساوم! أتذكّر أنني اضطلعتُ بدور في مسرحية “هير” في البرازيل، وكنت آنذاك في الثامنة عشرة. كنت أول فتاة تتعرى على المسرح. وأحببت ذلك! 


* مثّلتِ مشهداً ساخناً مع مارتشيللو ماستروياني أيضاً...
- بالطبع. لي مشاهد كثيرة. ومثلّتُ دوراً في التلفزيون أشعل الناس في البرتغال. قمع الجسد ليس مستحباً. 


* أعتقد أنّك تستحقين جائزة التمثيل في "كانّ"..
- آمل ذلك. لا أعرف كيف سأتفاعل، لأنه لم يسبق أن نلت العديد من الجوائز في حياتي. سيكون شيئاً عظيماً، لأنه سيجعل الكثير من البرازيليين سعداء. وفي هذه المرحلة، قد أفعل أي شيء لإسعداهم. نحن فعلاً بحاجة الى الفرح. 


* ماذا عن محاولة البعض في البرازيل مقاطعة الفيلم؟
- آه، هذا صحيح! عندما فتحتُ صفحتي الفايسبوكية هذا الصباح، كانت مليئة بالدعوات إلى المقاطعة. فقلتُ لهم: هل أنتم جادون؟ لم تشاهدوا الفيلم بعد! عادةً، أرد بنفسي على كلّ التعليقات. وإنما اليوم صباحاً، كان هناك نحو ٢٠٠٠ تعليق. هذا رقم لا يسمح لي حتى بحظر أصحاب التعليقات عن صفحتي. فقلتُ في نفسي: “افعلوا ما تشاؤون، الصفحة لكم”. أما بالنسبة إلى اللغة المستخدمة، فلم أرَ هذا من قبل. وإنما هذه اللغة المستخدمة اليوم كانت مخبأة في مكان ما، والآن بدأتْ تظهر إلى العلن. أتعلم؟ أنا أعيش في بلدين، البرازيل والولايات المتحدة. تخيل أنّني مضطرة أن أسمع دونالد ترامب يتحدّث، والآن عليّ أن أستمع إلى العنف الكلامي الذي ينطق به أبناء بلدي. في المقابل، أحبّ أوباما وأعتقد أنّه فعل الكثير من أجل السلام في العالم، أو على الأقل حاول ما في وسعه. وأحب برني ساندرز أيضاً. ما يميزه عن الآخرين، هو أنّه خاطب الشباب ودعاهم إلى دخول السياسة. في البرازيل، المواطن مجبر على الانتخاب، ولكن ليس في الولايات المتحدة. أحب الإمعان في السياسة رغم أنني لستُ ملمّة بها (…).
هذه الرحلة الأولى لي إلى كانّ منذ مشاركتي فيه في ذكرى مرور ٢٥ سنة على “قبلة المرأة العنكبوت” الذي أعيد عرضه في كلاسيكيات المهرجان. في الحقيقة، أُعجبتُ بمخرج الفيلم، بعد أن شاهدتُ فيلمه الأول، “أصوات الجوار”، الذي حققّ في البرازيل إيرادات عالية رغم أنّه ليس فيلماً تجارياً. أعتقد أنّ مخرجه برع في السرد على نحو لم يحدث لي أن رأيته من قبل. كليبير بارع بصرياً، إضافة إلى أنّه موسوعة سينمائية متنقلة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها