السبت 2016/06/18

آخر تحديث: 11:44 (بيروت)

في يوم مصر التي في خاطري

السبت 2016/06/18
increase حجم الخط decrease
في 18 حزيران/يونيو 1956، رحل آخر جندي بريطاني عن الأراضي المصرية، تبعا لما نصّت عليه الاتفاقية التي وقّعها رئيس مجلس الوزراء جمال عبد الناصر مع اللورد ستاسجيت في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1954، في عهد الرئيس محمد نجيب. عُرفت هذه الاتفاقية باسم "اتفاقية الجلاء"، ونصّت أولى بنودها على الجلاء الكامل للقوات البريطانية على دفعات خلال عشرين شهراً، وتمّ تنفيذها بشكل كامل مع خروج آخر دفعة من هذه القوات من آخر نقطة لها في مبنى البحرية في بور سعيد، وكان هذا المبنى أول موقع أحتلّه الانكليز في مصر سنة 1882.

في ذلك اليوم، رفع الزعيم عبد الناصر علم مصر على مبنى البحرية، ليتوافق مع يوم إعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953، وأعلنت الدولة "عيد الجلاء" الذي أنهى أكثر من سبعة عقود من الاستعمار. احتفلت مصر بهذا العيد، ودُعي أهل الفن للمشاركة في هذا الاحتفال. كتبت مجلّة الكواكب: "هذا هو يوم النصر الأكبر. هذا هو عيد الوطن الكبير. هذا يوم الجلاء الذي جاهد في سبيل تحقيقه أجدادنا وآباؤنا، وضحى بالأرواح شهداؤنا، وكافح زعماؤنا، ثم أدخرت الأقدار شابا من صميم الشعب ليحقّّق حلم الأجداء والآباء. هذا يوم الفرحة الكبرى، إذ يتحرّر الوادي من قيوده، وترتفع راية مصر على آخر معقل كان يحتله المستعمر. ففي هذا اليوم، ولأول مرة من منذ أربعة وسبعين عاما، تطلع الشمس على أرض الوادي وليس عليها جندي أجنبي واحد، ويتولّى المصريون أمور وطنهم متحررين من كل نفوذ أجنبي دخيل". 
تحدثت الصحافة عن التمارين التي يجريها أهل الفن منذ أكثر من شهر للاحتفال بهذا العيد، وقالت إن أم كلثوم أعدّت أغنية جديدة كتبها أحمد رامي ولحنها محمد الموجي، وأنّ عبد الوهاب لحّن نشيدا جديدا يؤديه مع كوكبة من نجوم الغناء مطلعه "قولو لمصر تغني معايا في عيد تحريها"، وأنّ بيرم التونسي وضع ملحمة طويلة من أزجال يعبر بها أبناء الأقاليم المختلفة عن أدوارهم في الكفاح الوطني أبان سبعين عاما من الاحتلال، وقد لحن محمود الشريف هذه الملحمة التي يغنيها سيد اسماعيل ومحمد قنديل ومحمد عبد المطلب. "كان فريد الأطرش يريد أن يقدم نشيدا، ولكن الأطباء الخمسة الذين أشرفوا على علاجه في مرضه الأخير أصروا على ان يبتعد عن اجهاد نفسه". غاب فريد الأطرش عن العيد بسبب وضعه الصحي، فاستعاد الإعلام من آخر أفلامه "ودعت حبك" نشيد "احنا لها احنا لها نحمي العروبة وأهلها"، وجعل منه نشيدا للعيد.

في مساء الاثنين 18 حزيران/يونيو، شهد نادي القوات المسلحة في الزمالك الاحتفال الكبير الذي حضرته مجموعة كبيرة من ضيوف مصر العرب والأجانب، إلى جانب جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس الثورة، وكان على رأس هذه المجموعة الامير فهد بن سعود نجل الملك السعودي، الأمير مولاي الحسن ولي عهد المغرب، وزير خارجية الاتحاد السوفياتي ديمتري شبيلوف، وزير الدفاع السوري عبد الحسيب رسلان، وزير الدفاع اللبناني مجيد أرسلان، ونائب رئيس أركان حرب الجيش العراقي  اللواء الركن خليل جميل. افتتح عبد الوهاب الحفلة بنشيده المنتظر، ومطلعه: "قولوا لمصر تغنى معايا فى عيد تحريرها/ تم النصر وصبحت حره بأيد أحرارها/ وبعزة أبطالها تحيا ويحيا رجالها"، وشاركه في الغناء تباعا، شادية، سعد عبد الوهاب، فايدة كامل، محمد عبد المطلب، وعبد الغني السيد. كان هذا النشيد أول الأعمال الغنائية الجماعية التي لحّنها عبد الوهاب في العهد الناصري، وجاء بعد سلسلة من الأعمال الوطنية التي وُلدت في هذا العهد.

قبل هذا النشيد، غنى الموسيقار الكبير من شعر عبد المنعم السباعي أنشودة "يا مصر تم الهنا" بعد توقيع معاهدة الجلاء مع بريطانيا، وأغنية "تسلم يا غالي" إثر نجاة ناصر من محاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية، ثم "إنده على الأحرار" ، و"يا مصر زيّك ما لقيت مثالك". وغنى من كلمات حسين السيد، "الصبر والإيمان"، ثمّ "اليوم فتحت عيني" بمناسبة إصدار أول دستور في عهد ثورة 1952، و"بطل الثورة". ومن كلمات أحمد شفيق كامل "تحت القنابل"، بعد العدوان الثلاثي على قناة السويس، ثمّ نشيد "قولو المصر تغني معايا في عيد تحريرها"، الذي فاجأ الجمهور بطابعه الجماعي. شارك بعض من كبار الممثلين في الكورس الذي رافق المطربين، ومنهن فاتن حمامة وهند رستم وزهرة العلى، "وكان الكورس يسير في صفوص جميلة بين كل فقرة وأخرى من فقرات النشيد، ويتقدّم كل صف حاملة علم، وكانت حاملات الأعلام ثلاثة نجمات، هنّ تحية كاريوكا، ليلى فوزي، وثريا حلمي".

بعد عبد الوهاب، قدّم محمود شريف استعراضا فولكلوريا بعنوان "افراح الشعب" لمع فيه محمد رشدي في وصلة اسكندرانية. تلى هذه الفقرة مجموعة من الاستعراضات الراقصة، منها وصلة غنّى فيها محمود شكوكو مخاطبا عبد الناصر: "مين يرفع راية البلد إلا انت يا ابن البلد". ثم قدّمت فرقة الريحاني مسرحية من فصل واحد اسمها "يوم الميلاد"، كتبها بديع خيري. بعدها اعتلت أم كلثوم خشبة المسرح، و"ملأ البشر وجهها، وراحت تغني: يا مصر ان الحق جاء فاستقبلي فجر الرجاء/ اليوم قد تم الجلاء ونلت غايات المنى/ ومصر قرت اعينا". وعندما انتهت من الغناء، أشارت إلى محمد الموجي ودعته إليها في سابقة نادرة، فتقدّم إلى حيث تقف، وقدّمته إلى الجمهور.

كان من المقرّر أن تغني كوكب الشرق وصلة واحدة، لكن الجمهور ألحّ في طلب وصلة ثانية، فغنت "شمس الأصيل"، وما كادت تنهي منها حتى علا الصياح مطالبا بأغنية ثالثة، فختمت السهرة بأنشودة "مصر التي في خاطري/ أحبها من كل روحي ودمي"، وردّد معها رجال القوات المسلحة وجميع المدعوين: "نحبها من روحنا/ ونفتديها بالعزيز الأكرم/ من عمرنا وجهدنا".  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها