الإثنين 2016/05/30

آخر تحديث: 06:45 (بيروت)

عن الأصول الفينيقية

الإثنين 2016/05/30
increase حجم الخط decrease
 
تبيّن إذن، إثر دراسة جادّة قامت بها جامعة أوتاغو بنيوزلندا أن ليس في اللبناني "الجديد" أيّة عناصر جينيّة من الفينيقي؟

فقد تم تشريح الـ"جينوم" لهيكل رجل فينيقي شاب عاش منذ حوالى 2500 سنة، وفي النتيجة أنّه لم يورثنا شيئا. بل هو أعطى بعض جيناته إلى أهل البرتغال، وكان بعضها لمرتحلين من شمال إفريقيا.

لن يحسم ما في الدراسة تعلّقنا بماضينا الفينيقي، طبعا. فمنذ حوالى خمس سنوات، وعلى استفتاء تناول عيّنة واسعة من الشباب اللبناني، كانت النتيجة منقسمة مناصفة ردّا على السؤال المطروح "هل تعتبر أنّك فينيقي أم عربي؟". وأرجّح أن انقسام الشباب المستفتين كان تبعاً لانقسام مناطقي...


***
أتتنا إلى المؤسّسة الإعلاميّة الباريسيّة حيث كنت أعمل مجموعة من الشباب اللبنانيين. أعتقد أن مناسبة زيارتهم كانت لعرض وجهة نظر المجموعة بحدث اعتبروه مصيريا في تاريخ لبنان الحديث، وأرادوا التعبير عبر ميكروفونات المؤسّسة. حاول المدير العام أن يقنعهم بأن مبدأ العمل الصحافي هو الموضوعيّة وعدم الإنحياز إلى فئة ضدّ أخرى. في حماستهم راحوا يطالبونه باتخاذ موقف من "الحقيقة" التي هي بوضوح في جانبهم. قال لهم إن الحقيقة لن تكتمل إلا بالأخذ بوجهة نظر الآخرين الذين يقولون إنها في جانبهم أيضا. نرفزوا قليلا، ثمّ سألوه عن إلتزامه وقناعته الشخصيّة وفي أي جانب يقف. فقال إنّه في ما يخصّ الميكروفونات صحافي. فقط. فوقف أحد هؤلاء الشباب غاضبا يسأله عن "أصله" كلبناني. فأنهى المدير الجلسة متمنيّا للشباب طول البال والتوفيق والقليل من الموضوعيّة لمصلحة الجميع...

عاد الشاب الغاضب برفقة أحد الصحافيين الفرنسيين. قال إنّه حفظ الدرس عن الموضوعيّة، والدليل اصطحابه لأحد رجالاتها الأشاوس. رحّب المدير بهما وبالأسئلة. فتح الشاب كرّاسه ولكز الصحافي الفرنسي. قال الأخير: " بعد حرب أهليّة طاحنة ما زالت تنعكس بشدّة على راهن البلد وجدتُ من تحريّاتي وقراءاتي ولقاءاتي أنّ نصف الشعب اللبناني يعتقد أنّه فينيقي وليس عربيا، فما رأيك؟" صحّح، أو حاول المدير التعديل قليلا في صيغة السؤال قائلا: "تقصد من أصول فينيقيّة". فقال الصحافي الفرنسي "إن الأصول غير بعيدة عن الحاضر، بل إنّها لا تزن شيئا مقابل القناعات الراهنة"، مجدّدا حشر المديرب" أنت، شخصيّا، ماذا تقول". فقال الأخير إنّه –شخصيا- وفي ما يخصّ أصوله بالذات ليس متأكّدا إلا من الأصل النييردانتالي... بعد ذلك سينتظر آخر الأبحاث حول السابيينس- سابيينس الذي تلاه، لأنّ هناك بعض الشكوك التي تحيط بمعلومات علميّة سابقة في هذا الموضوع... أطبق الشاب كرّاسته وخرج مع الصحافي جارّاً إيّاه من ذراعه بحنق...

***
أشعر أحيانا أنّ قلة التسامح عندي باتت تلامس قلّة التهذيب. صار خلقي ضيّقاً، وكنت في السابق أتغاضى عمّا كنت أعتبره "عدم دقّة" أو "خطأ شائعاً". ثمّ بدأت أصحّح بتهذيب ولياقة وبابتسامة تفهّم. ثمّ صرت أجد في تسامحي قلّة اعتبار للذات وإفساحا لقلّة الإحترام من جانب الآخرين...

قلت مقاطعة السيّد مدير النقاش إنني لست "من أصل" لبناني. نظر إليّ مندهشا سائلاً بارتباك "من أيّ أصل إذن؟ ففي معلوماتي أنّ..." فقاطعت من جديد. قلت له إنّي حاولت مرارا القول بأني لبنانية وفرنسيّة. مع التركيز على أداة الوصل. لأن الإنسان يستطيع أن يكون من بلدين، أن يحمل جنسيّتين، وأنّ زمن الإستعمار الفرنسي، حيث كان على المولود في أراضي المستعمرة أن يتخلّى عن هويّة بلد المنشأ ليدخل الجنّة الفرنسية، قد ولّى ومن زمان. وأنّ هذا الخطأ الشائع المستمرّ له دلالات عميقة لن أتطرّق إليها اليوم. وفهمه كفاية...
يللا. كلّ واحد يدبّر رأسه.

قلت مقاطعة السيّدة اللطيفة التي تقدّمني: "لماذا تكرّرين ما كُتب ذات يوم على الأنترنت من إنّي مسيحيّة مارونية من شمال لبنان؟ لماذا لم تذكري دين زميلي الذي على يسارك؟ لم تقولي لنا إن كان كاثوليكيّاً أم بروتستانتيّاً ام بوذياً. ما الفائدة من ذكر ما ذكرتِ عن ديني ودين عائلتي في كتابتي؟ سوى أنّك تريدين الإيحاء بأني غير مسلمة، امرأة حداثوية، متحرّرة من أشباح التخلّف والكبت، والإرهاب المسلم بالضرورة. وبالتالي...

لم أسمع إجاباتها المرتبكة. ثم قلت في نفسي إن ما يشفع لها هو تقديم البعض نفسه في خانة ضحايا سيوف الإسلام، وما يدرّه ذلك على هذا البعض من منافع السوق. وهي كثيييييرة.
في ما خصّني سأقول يللا، كلّ واحد يدبّر رأسه. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب