السبت 2016/04/30

آخر تحديث: 10:06 (بيروت)

تركيا العلمانية عام 1926 في عيون مصرية

السبت 2016/04/30
increase حجم الخط decrease

 

 

 

 

عاد موضوع العلمانية في تركيا إلى الواجهة عقب حديث أدلى به رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان في إسطنبول، وفيه سأل: "بصفتنا بلداً مسلماً، لماذا علينا أن نكون في وضع نتراجع فيه عن الدين؟ نحن بلد مسلم، وبالتالي يجب أن نضع دستورا دينيا". وأضاف: "قبل أي شيء آخر يجب ألا ترد العلمانية في الدستور الجديد". 


أثار هذا الحديث موجة من التساؤلات، وسلّط الضوء من جديد على بدايات العلمانية في تركيا مع إعلان الجمهورية في نهاية تشرين الأول 1923، وإلغاء الخلافة الإسلامية في العام التالي، وبعدها المحاكم الشرعية الدينية. في عام 1926، ألغت الحكومة التركية القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية، واعتمدت قانوناً جديداً مستمداً من القوانين السويسرية، فمنعت تعدد الزوجات، وأعطت المرأة المسلمة حق الزواج من غير المسلم، وساوت بين الذكر والأنثى في الميراث. بعد إقرار هذا القانون، حظر أتاتورك على النساء لبس الجلباب وألزمهن ارتداء الفساتين الحديثة، وأثار بهذه القرارات ضجة ترددت أصداؤها في سائر بلدان العالم الإسلامي.

سبقت مصر سائر البلدان العربية في خوض معركة تحرر المرأة، وواكبت صعود هذه الحركة في تركيا بعين ثاقبة، كما تشهد صحافة العشرينات بألوانها المتعددة. في عام 1920، عادت هدى شعراوي من فرنسا على متن الباخرة التي ركبها سعد زغلول، وعند وصولها إلى المرفأ، نزلت وهي سافرة الوجه أمام الجموع، ورفعت من يومها الحجاب. وفي العام نفسه، شاركت مع سيزا نبراوي في المؤتمر النسائي الذي انعقد في جنيف. وبعد ثلاث سنوات، توجهت إلى روما لتمثل مصر في المؤتمر الدولي للمرأة. في آذار 1925، شهدت القاهرة ولادة "اللجنة السعدية للسيدات"، وهي جمعية نسائية تهدف إلى انتزاع حقوق المرأة بالسلم، وتضم "طائفة من أنجب سيدات مصر وأكثرهن غيرة على مصلحة الوطن"، كما جاء في خبر صحافي يعود إلى تلك المرحلة. 

في هذه الفترة، خصصت مجلة "المصور" صفحة من صفحاتها لمتابعة نهضة المرأة في العالم. ورصدت نشاط هذه الحركة في تركيا بشكل متواصل. في مطلع عام 1926، تحدثت المجلة عن "الزواج الحديث في تركيا"، ونقلت خبراً يقول: "تم لأول مرة التعاقد بين زوجين مسلمين في مدينة اسكي شهر بحسب القواعد الجديدة التي سنتها حكومة الجمهورية التركية. والزوجة معلمة في مدرسة، والزوج موظف محلي. وقد أمضيا العقد معاً واعترفا فيه بقبولهما التساوي في الحقوق. وأن يدفع من يريد الطلاق بلا سبب مشروع غرامة قدرها خمسمئة ليرة تركية للطرف الآخر. وبعد توقيع العقد أقيمت للعروسين حفلة ساهر رقص فيها المدعوون على أنغام الجازباند". بعد زهاء ثلاثة أشهر، عادت المجلة إلى هذا الموضوع، وكتبت: "وافق المجلس الوطني في انقره على القانون المدني الجديد في تركيا، وهو نفس القانون السويسري مترجماً إلى التركية بتمامه تقريباً. وأهم ما فيه منع تعدد الزواج. ومنع الطلاق إلا بشروط وحكم يصدره القاضي المدني".

بعد فترة وجيزة، نقلت مجلة "المصور" عن وزير تركيا المفوض في مصر قوله: "إن المرأة التركية لم تعد نصف الأمة العاطل من العمل، بل أصبحت عاملاً كبيراً من عوامل الترقي". وتوقفت أمام بحث بعنوان "تركيا الحديثة" نشرته مجلة "القرن التاسع عشر" الإنكليزية، ونقلت ما جاء فيه عن نهضة المرأة: " لعل أول ما يلفت نظر الإنسان التغير الذي طرأ على مركز المرأة. فالحجاب والحريم وتعدد الزواج واتخاذ المحظيات، كل هذا قد أخذ يتلاشى بسرعة عجيبة. فقد كان من أندر الأشياء قبل الحرب أن يرى الإنسان امرأة غير متحجبة في أنقرة، أما الآن فهناك الزي الأوروبي تلبسه عقائل أعضاء المجلس الوطني الكبير وعلى رأسهن لطيفة هانم قرينة مصطفى باشا المتعلمة. ويصطحب الرجال نساءهم إلى دور السينما ولهن أيام استقبال يحضرها الرجال والنساء على حد سواء. وفي الأستانة خلع ثلاثة أرباع النساء حجابهن. وترى تلميذات المدارس يرحن ويجئن بلا خادم خاص دون أن ينتقد أحد ذلك، ويخرج الرجال ونساؤهم والشبان والشابات للرياضة بشكل لم يكن مألوفا في الماضي. ويلاحظ أن الشبان الأتراك الذين تعلموا تعليماً أوروبياً أخذوا يشعرون أن العادات الإسلامية الخاصة بتعدد الزوجات والطلاق لا تصلح لمقتضيات العصر الحاضر بحال ما. وأخذت النساء أنفسهن يلححن في فسح المجال لهن. وقد التحقن بالجامعات وانتظمن في سلك المهن القضائية والطبية والتهذيبية. لا بل أنك لتجد بينهن سائقات السيارات".

بعد هذا العرض، تابعت "المصور" نشاط خالدة أديب هانم، أشهر أعلام النهضة النسائية التركية، وتحدثت عن محاضرة ألقتها في اجتماع "جمعية الشرق الأدنى"، موضوعها المرأة التركية الجديدة. "قالت فيها إنها تريد أن تزيل ما علق بأذهان العالم الأوروبي من الأفكار الغريبة حول المرأة التركية، فقد صورها الأوروبيون مضطجعة على وسادات من الحرير في الحريم، تنظر إلى الزهور وتأكل راحة الحلقوم. وهذه صورة مأخوذة من كتاب ألف ليلة وليلة، لا من الحقيقة الواقعة. فسواء كانت المرأة التركية بقناعها أو سافرة، في داخل الحريم أو خارجه، فهي كأختها الغربية في جميع الوجوه الأساسية، والفرقان الاجتماعيان اللذان يحيطانها بالألغاز والغموض، هما تعدد الزوجات وحجز النساء في البيوت". بحسب المجلة المصرية، "شرحت الخطيبة حياة المرأة في القبائل التركية القديمة شرحاً طويلاً بديعاً. فقالت إن هذه القبائل لا تزال محافظة على عاداتها في الحياة العالمية الحرة، وإن الأولاد والبنات يتربون معاً، والنساء فيها سافرات. أما الآراء الجامدة عن النساء، فقد وجدت منذ قرون عندما انحدر الأتراك من آسيا الوسطى مارين ببلاد العجم، كما نشأت عن الاتصال بالحضارة البيزنطية".

في العدد التالي، امتدحت المجلة نشاط خالدة أديب، وقالت إنها "أول امرأة تركية تقلدت منصباً حكومياً رسمياً بتعيينها وزيرة للمعارف العمومية في أوائل العهد الجديد، وجرائد أوروبا تملأ أعمدتها بذكر الحفلات التي تحييها والمحاضرات التي تلقيها". من جهة أخرى، تحدثت  المجلة "عن المؤتمر الدولي الذي ستعقده في باريس الجمعيات النسائية". وقالت "إن جمعية الاتحاد النسائي التركية التي ترأسها نزيهة هانم قررت الاشتراك في المؤتمر المذكور للمطالبة بحق المرأة التركية في دخول الانتخابات النيابية". وتحدثت عن مشاركة وفد مصري في هذا المؤتمر برئاسة هدى هانم شعراوي، "للمطالبة بحقوق المرأة تامة كاملة". وتابعت "المصور" أخبار هذه "الحركة المباركة"، وألمحت إلى "المساعي التي تبذلها بعض الحكومات لمحاربة رجال الدين والقضاء على نفوذهم، وأشارت إلى مقال طويل نشرته "إحدى الجرائد الأوروبية عن حالة تركيا الداخلية وموقف حكومتها ازاء رجال الدين".

في موقع آخر، نشرت "لمصور" صورة لعاملة تنظيف تركية، وكتبت في تعليقها: "نزلت المرأة التركية إلى ميدان العمل وولجته من جميع أبوابه، فبينما نجد في تركيا الطبيبات والمحاميات والموظفات وغير ذلك، نرى من جهة أخرى النساء الفقيرات يبحثن عن العمل المتعب الذي كان موكولاً من قَبل للرجال. ففي الصورة العليا، ترى سيدة تركية تكنس الشوارع وهي أول سيدة طلبت العمل من هذا الباب، وقد لبست ثوب الكناسين ووضعت رقماً على قبعتها، وهي تقوم الآن بعملها خير قيام".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها