الأحد 2016/03/13

آخر تحديث: 11:30 (بيروت)

مارسيل خليفة.. المخلص الملائكي من المأساة!

الأحد 2016/03/13
increase حجم الخط decrease
يبدو الفنان مارسيل خليفة في ملصق ألبومه الجديد "أندلس الحب"، الذي أطلقه في "فيرجين ميغا ستور"، كأنه ملاك مخلص في هيئة رجل وقور يلبس الأبيض وقد أتى إلى العالم لإنقاذ البشر من مآسيهم. لا يحاول خليفة الابتعاد عن الخط الذي اتبعه منذ بداياته، والذي يقدم نفسه فيه كفنان ملتزم في مشاريع سياسية مرة أو مشاريع ثقافية مرات أخرى، لكنه هذه المرة يقدم نفسه كـ"فنان مخلص" يريد إحقاق "الحب" في عالم يسوده العنف.

يستخدم خليفة "الحب واللاعنف" عنوانا جذابا، من أجل التبشير بألبومه الجديد. لكن ما يثير الاهتمام فعلاً هو أن خليفه لا بد أن يرى نفسه بهذه الطريقة، أي كملاك مبشر من أجل البشرية. مثلاً، يقول في إحدى المقابلات: "ذهبت إلى كل القارات وقلت لهم إنني من هنا"، أي أنه من المنطقة نفسها التي تُرى قبيحة وبشعة ومظلمة، وهو من خلال ما يمثله من نقاء داخلي وجمال، إنما يحاول مقاومة كل صور تلك القباحة السائدة في بلاده وتغييرها من خلال عرض "صورته" أمام الجمهور في الخارج. يضعنا الرجل أمام تساؤل حول حجم نظرته إلى نفسه تلك التي تصل أحيانا إلى حد التضحية مقدماً مثلاً الألبوم الجديد تحت عنوان "احتراق الذات في تجربة الحب"!

يعود خليفة في هذا الألبوم إلى العمل على قصائد محمود درويش، منتقياً قصيدة جديدة من ديوان "حصار لمدائح البحر"، يحاول خليفة فيه اتباع مسار درويش في الانتقال بين ثيمات ثورية- رومنسية إلى ثيمات "روحية". يقول خليفة إن عمله هذا "انبثق من العيش في الخوف والموت والقتل والدمار والبشاعة. ومن هنا تطل أندلس". يغني "لأني أحبك يجرحني الماء/ والطرقات إلى البحر تجرحني/ والفراشة تجرحني/ لأني أحبك يجرحني الظل تحت المصابيح.. يجرحني/ طائر في السماء البعيدة.. عطر البنفسج يجرحني/ أول البحر يجرحني/ آخر البحر يجرحني/ ليتني لا أحبك/ يا ليتني لا أحب/ ليشفى الرخام/ يطير الحمام/ يحط الحمام". وفي مقطع في آخر من الألبوم يردد: يكلفني الحب ما لا أحب/ يكلفني حبها/ ونام القمر/ على خاتم ينكسر/ وطار الحمام".

ويبدو أن الألبوم تكملة للتجارب التي قدمها خليفة مع درويش في السابق ويثبت من خلال أعماله هذه، أنه بإمكان القصائد العربية أن تغنّى وتستمر بإنتاج نفسها من خلال الغناء، كما يثبت أنه الأكثر جدارة إلى الآن في غناء شعر محمود درويش خصوصاً أن أعمال مغنيين آخرين حاولوا تلحين شعر درويش بدت دائماً متواضعة ومنسوخة أو أقرب إلى الإبتذال مقارنة بتجاربه، وربما الأمر يتعلق بأنه أصبح جزءاً من ذاكرة مجموعة من الناس.

يمكن دائما المقارنة بين شخصيتي درويش وخليفة والقواسم المشتركة بينهما. فمثلا في صورة خليفة على ملصق ألبومه تذكر بصور درويش المنتشرة على أغلفة كتبه، والتي يبدو فيها متأملاً في مشاهده حيناً أو موجهاً نظره إلى مكان ثانٍ أحياناً أخرى. يشترك الشاعر والفنان في تلك النظرة "المتضخمة" إلى الذات. فلا ينظر خليفة في عينيّ مشاهده في ملصق البومه الجديد، هذا ويشيح بنظهره كي لا يرى ما يحصل ... محاولاً التركيز على ذاته.

لا ينكر خليفة تركيزه على ذاته، فيؤكد دائماً في مقابلاته أنه لا يريد النظر إلى المنطقة، محاولاً انتقاء العزلة والابتعاد عن الضوضاء والإقتراب قدر الإمكان من نفسه كي لا تتشوه بكل تلك الوحشية التي تلف عالمنا اليوم. يكتب مثلاً لأحد معجبيه: "عطر البنفسج يجرحني.. يا ليتني لا أحب ليشفى الرخام". يريد خليفة الإغراق في العزلة كي يبتعد عن "التوحش"، لكنه في الوقت نفسه ينتج أعمالاً موجهة إلى المكان المتوحش ذاته ويرى نفسه مخلصه في الوقت نفسه.

حتى أن خليفة في أعماله السابقة على الإنفجار الأخير في المنطقة، امتنع عن النظر إلى "الواقع العربي" السابق مفضلاً الركون إلى أحلام أخرى، مثلاً، انتقاء ثيمات تعتمد على واقع متخيل مثل التركيز على أمجاد الأندلس ومحاولة تقديم "إشباع ثقافي" يعوض شيئاً من الإحباط القومي والسياسي الذي أصاب جيله. يكمل خليفة سلسلة "الإلتزامات" هذه اليوم والتي تتبخبط مثلما يتخبط جيله منذ سنوات ويضيف إليها التزام "رسالة الحب" و"اللاعنف"، محاولا إضافة تعابير جديدة إلى قاموس "الفن الملتزم".

يشارك في العزف في الألبوم إضافة إلى خليفة على العود، كلٌ من رامي وبشار خليفة على البيانو والإيقاع وجيلبير يمين على القانون.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها