قصة نادية لا تطرح أسئلة المدوّن فحسب، بل السؤال الأساسي، لماذ كن يتصورن عاريات في الاستديو؟ خصوصاً أن أرقام اللواتي كن يتصورن ليست قليلة ولا تقتصر على المجتمع الفني أو موديلات الرسم؟ يرجح فان ليو أن لصورة العري ارتباطاً بالوقت. إذ أن الإنسان يتغير مع الزمن بجسده وملامح وجهه. والمرأة وعت ذلك برأيه، لذلك تسعى عادة إلى تصوير نفسها في سن الشباب". هذا الجواب مقنع نسبياً لكنه لا يعطي صورة كاملة الوضوح عن أسباب التعري لدى نساء المجتمعات المخملية... والسؤال الآخر: مَن يشاهد صورهن؟ وعلى من يعرضنها؟ هل كانت ثقافة سائدة لدى فئة من الناس؟ ولا نعرف شيئاً عن أسباب "جرأة" ناديا، هل سمِعَت من نساء اخريات ان التعري من الأمور العادية في استديو فان ليو فذهبت وتصرفت بتلقائية؟ هل كان للتعري ما قبل الأيديولوجيات الأصولية معنى مختلفاً، لدرجة أننا قرأنا مقالاً لسيد قطب قبل التحاقه بالتطرف، يدافع عن العريّ والذهاب الى المسابح؟ من الصعب الإجابة عن أسئلة حول موضوع فيه الكثير من الحميمية والخصوصية وحتى السرية. فرغم أن فان ليو صوّر مئات النساء عاريات في الاستديو الذي يملكه، لكن قلة من الصور عرفنا صاحباتها، ومنهن ناديا وراقصة إيرانية.
يمكننا القول ان "الانسان يصوّر الاشياء التي يعرف أنها مهددة بالانقراض" بحسب الكاتب الفرنسي ريجيس دوبريه، والانسان يشعر مع الوقت بزوال شبابه، وتكون الصورة نوستالجيا خاصة جداً، أو مجرد استذكار لزمن غابر، مكانها في الصناديق المقفلة وليس البراويز أو الصالونات. وأن يجد زعتري صورة الجدة في أحد أدراج الأم، فهذا يحمل دلالات كثيرة عن ثقافة الصورة، وتوزيعها في البيت. إذ غالباً ما تكون الصور الحميمة مخفية أو لا يظهرها اصحاب العلاقة الى العلن، أو تبقى في غرفة النوم.
هناك معطيات أخرى سمعتها في بيروت من أكثر من شخص، ان بعض النساء في زمن مضى كن يتصورن عاريات في بعض الاستديوهات، ويرسلن صورهن العارية لأزواجهن في المغترب او المهجر لكي يبقى متشوقا لهن، كأنهن كن يستبدلن أجسادهن بصور جسدهن، هن يرسلن ما يراود الذهن عن الجسد الغاوي.. ونادراً ما كانت تظهر الصور على الملأ. والواضح في هذا الزمن أن التعري بات يصنف في خانة "الفضيحة"، حين تختار فتاة التعري لأسباب مختلفة، كما فعلت نجمة رياضة التزلج، جاكي شمعون، التي تعرت كدعاية لمجلة سياحية، وصورت المصورة اللبنانية الأصل رشا كحيل نفسها في شقة صديقها ونشرتها على الانترنت كنوع من اختبار لتحولات الجسد في الصورة.
التعري بين جاكي شمعون ورشا كحيل كان ميديا للوصول الى هدف محدد، وليس للاحتفاظ بصورة الجمال الشباب، وليس لبث الشوق في قلوب الأزواج. هي لعبة ميديا لم تخل من ضجيج اعلامي واجتماعي، لنتذكر الحملة التي تعرضت لها جاكي شمعون حتى من وزارة الرياضة اللبنانية. لنتذكر أنه بعد سنتين من نشر رشا صورها، اكتشفها الاعلام اللبناني، ومعظمهم لم يتحدث عن صورها باعتبارها فنانة أو تقدم فناً من أنواع الفنون الفردية أو الذاتية، بل تحدث عن الصور باعتبارها لفتاة لبنانية "شرقية" تتعرى وتخرج عن السياق وتكسر القالب والمألوف والمحرم. حتى صورة نادية عبد الواحد العارية، حين عرفت هويتها وظهرت صورها على الملأ، خرجت عن سياقها العابر. أصبحت مادة لفيلم توثيقي، وتحولت لاحقاً إلى مادة للكثير من المقالات عن صور التعري، فهي الشاهد النادر على مرحلة شبه آفلة، وينقصها نوع من التفسير الميديائي والسوسيولوجي والانتربولوجي يخرجها من دائرة النسيان.
في مقابل تعري بعض النساء الشرقيات في زمن مضى لالتقاط الصور في الاستديو، سبقت ذلك موجة التعري الاستشراقي، أو الجنس على الطريقة الاستشراقية. تزخر الكتب ومواقع الانترنت بمثل هذه الصور، ويستغرب المرء كيف كانوا يلتقطون صورا استيهامية غير واقعية لاشباع شهواتهم. فالمصور الاستشراقي هو الذي يخترع الشرق وازياءه ونساءه كما يتخيله، اذ انه ينتج ما يرغبه ويشتهيه الأوروبي وليس بالضرورة الواقع كما هو.
لاحظ الكاتب بدر الحاج في كتاب"بيروت/ ضوء على ورق" أن المرأة العارية أو شبه العارية، كما في اعمال بونفيس ودوما واوبان، تعرض جسدها او قسماً منه لعين الغربي من أجل اغرائه واشباع شهواته، ومن غير المهم ما اذا كانت المرأة في تلك الصور مشرقية فعلاً أم لا. وليس مهماً ما إذا كانت الصور قد انتجت في بيروت او في أوروبا. ففي حين تبدو النساء في اعمال بونفيس واوبان، بملامح مشرقية جرى تصويرهن في الاستديو لقاء مبلغ مالي زهيد، فإن النساء في الصور التي التقطها دوما لا تبدو عليهن الملامح الشرقية. وما كتبه ميشيل فوكو عن هذا الموضوع فيه شيء من الدقة، اذ اعتبر "ان سحر الشرق يخلق داخلك نموذجاً اختزاليا قبل أن تراه فأنت من الممكن أن تقرأ "ألف ليلة وليلة"، فتظل تحلم بعالم الشرق المليء بأسرار وراء ستائر الحريم وداخل قاعات الرجال المليئة بالفحولة والشجاعة وتظل تتنقل بين عوالم خيالية من الجنيات والنساء الممتلئات بالشهوة".
كان الاستشراق الفوتوغرافي (والفني) أساسيا في صناعة المتخيل الجنسي الغربي وفي تنميط الصورة السلبية للنساء الشرقيات. أما في المجتمع الشرقي، فبقيت علاقة النساء بأجسادهن رهن الالتباسات والتفسيرات الخاطئة والتسريبات ولغة التفضيح. لم تصل الأمور الى النظرة الى الجسد بتجرد. بقي كل شيء في خانة التصنيف بين الحرام والحلال. وعلى هذا، تحتاج صور نادية عبد الواحد الكثير من التفسير عن شخصيتها ومجتمعها، والامر نفسه ينطبق على المصور فان ليو.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها