الجمعة 2016/12/09

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

معرض رندة ميرزا: ديوراما الميثولوجيا العربية

الجمعة 2016/12/09
increase حجم الخط decrease
ليس سهلاً نقل الأساطير العربية القديمة الى اعمال فنية، ومرد ذلك، الى انها، من جهة، مطموسة التصوير، ولا يجري تداولها سوى كمرويات مكتوبة، كما أنها، ومن جهة أخرى، غالباً ما يجري تناولها على أساس استفهام بعينه: "هل هي صحيحة أم مزورة؟". وصياغة هذا الاستفهام، مثلما هو معلوم، يستند بطرحه الى المنظور الديني، الذي يجد في الميثولوجيا العائدة الى ايام الجاهلية موضوعاً للدرء، والتكذيب، والدحض. فلا يتوقف عند معانيها، ولا يولي لتركيباتها أي أهمية.

من هنا، بدا معرض "الزهرة لم تولد في يوم واحد" لرندة ميرزا(بالاشتراك مع ريكاردو كليمانتي وإريك دينيو)،  كأنه خطوة في سبيل طويل، وقد أنجزتها فنانتها، الفوتوغرافية في الأساس، بالاتكاء على وسائط النحت، والتقديم الديورامي، الذي طبع الأعمال، وجعلها أقرب الى مشاهد مؤلفة بالإتقان والروية.


بحثت ميرزا في الأساطير العربية، اختارت بعضاً منها، وراحت تمثلها. طبعاً، لم تلتزم بالإجابة حول الاستفهام الدائر ببطلانه حول حقيقتها او زيفها، بل انها انشغلت في إخراج تلك الأساطير من تبددها، ومن إمكانية القضاء عليها كاملةً عبر الخطاب الديني او الكولونيالي. وقد سعت، بذلك، الى صناعة مشاهدها من جديد، مركزةً على لحظات محددة فيها، وهي اللحظات التي توضح خلاصاتها، وتبين أقوى علاماتها، التي، وحين تجتمع، تشيد سردياتها القائمة بالشخصيات والوقائع.

عندما تعتمد ميرزا على طرق التصوير والنحت والميودراما، فإنها توزعها بحسب توافقها مع الأساطير، التي تظّهرها. فلا يمكن غض النظر عن المنحى الحجري للميثولوجيا، وهذا ما يرتبط بالتعبير عنه نحتياً، كما لا يمكن صرف الطرف عن منحاها البصري أيضاً. ومن أجل اعادة احيائها، او تقريبها من زمنها الغابر، من الجهل بها، الى الحاضر، الى إدراكها، يبرز فن الميودراما مناسباً لذلك، وهذا، عدا عن خلطها بأوضاع راهنة، تماماً، كما هي الحال في ديوراما أسطورة "إساف ونائلة"، الذين تخبر روايتهما عن كونهما "فعلا الفحشاء في الكعبة، فمسخهما الله حجرين، ونقلت تماثيلهم الى الصفا والمروة".

في السياق نفسه، للضوء واللون دوراهما في تمتين الجو الأسطوري لأعمال ميرزا. فالضوء  يتأرجح بين العتمة والإنارة، ما يتصل بموقع أساطيرها في التاريخ العربي، اذ تطل منه بخفوتها، وذلك، مع انها لا تنقطع عن النور، الذي يشع من معانيها، بالاضافة الى انه يدل على امكنتها الصحراوية والمائية وغيرها. ففي العمل الديورامي، الذي حمل عنوان "آلهة نوح"، يرتفع البحر، وفوقه السماء، وراء تماثيل وداً وسواعاً ويغوث ونسرا ويعوق، التي تنغرس في الرمال، كأنها مرمية ومحطمة على الشاطئ. اللون في هذا العمل شبه مظلم لولا الأزرق الذي يترك أثره عليه، وينيره.

لا تتعامل ميرزا مع الأساطير العربية بالنقل المباشر بقدر ما تحاول التقاط عناصرها الأساس، مجسدةً اياها بدون نزع او تعطيل هيئتها التاريخية، التي تشير اليها الأشكال الهندسية، والبيئات المصورة. ذلك، ان الاولى، اي التصميمات، كما في عمل "عام الفيل" مثلاً، تضع الأسطورة في إطار مكاني ملائم لأرض نشوئها، والثانية، اي البيئات، فهي تحضر مرة كأبعاد ميتولوجية محورية، وتغيب مرة أخرى، كما في عمل "الزهرة وهاروت وماروت الساقطين"، بحيث تبقى خلفيته سوداء، وشيئاً فشيئاً يعلوه الكوكب، الذي يظهر فوق اصله، اي المرأة، التي مسخها الرب اليه. ثمة تعال في هذا العمل، لكنه، سرعان ما يتوقف على حدود الجسد، والصنمين المحيطين به.

تحل الأساطير، التي تقدمها ميرزا في معرضها، خفيفة، ومقتضبة برموزها، بحيث ان جماليتها البصرية تطغى على طيات معانيها، لكن، هذا لا ينقص من حظوة مشاهدها، غير انه يصوبها نحو تجسيدها في الحاضر من أيامنا. فالميثولوجيا تولد في كل الازمنة، لكنها، لا تؤسس سوى في الراهن، وهي، في "الزهرة لم تولد في يوم واحد"، أسست لسيمائها على الأقل.

* يستمر المعرض في غاليري تانيت الى 7 كانون الثاني 2017
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها