الخميس 2016/12/08

آخر تحديث: 12:01 (بيروت)

ألبرتو كوردا: عين فيدل كاسترو الأمينة

الخميس 2016/12/08
increase حجم الخط decrease
اختاره فيدل كاسترو ليصنع صوره الساحرة، بدوره، وضع مصوّر وجه تشي غيفارا، أول قواعد التواصل السياسية الحديثة. فأتيح آنذاك لقرّاء الصحف والمجلات أن يتعرفوا على "الزعيم" فيدل كاسترو متزلجاً ولاعب نرد وغولف وبيسبول، أو في زياراته الرسمية والشعبية... تصوّر كاسترو في كل "الأدوار"، من 1959 حتى 1968، بعدسة واحدة هي للكوبي ألبيرتو دييز غوترييز (1928- 2001)، المعروف بـ "ألبرتو كوردا".

اشتهر كوردا في أوساط الفوتوغرافيا العالمية بعد أن التقط وجه "تشي غيفارا" من بعيد أثناء مشاركته في مناسبة ثورية بعد دخول الثوار إلى هافانا، إذ تحوّلت هذه الصورة التي تُظهر "الرفيق" المجعد الشعر بنظرته القلقة والشاردة، إلى أهم أيقونة فوتوغرافية تختصر القرن العشرين.

صاغ الثنائي كاسترو- كوردا جمالية الثورة الكوبية، ومهدا لوضع قواعد التواصل السياسي الحديث مع "الجماهير"، وكانت خليطاً حاذقاً من الشعبية الواسعة وذرائع تقرّب السلطة السياسية.

ترك كوردا صوراً مدهشة للثورة ولرجالاتها، بعضها لحظات حميمة لكاسترو وأخرى تُظهر أدواره السياسية. كان كوردا مصوره الشخصي طوال الستينيات. رافقه في تنقلاته ومناسباته الخاصة. بالعودة إلى كم المحفوظات الكبير المتبقي، نلاحظ أن الصورة كانت جزءاً من إستراتيجية الزعيم الكوبي. كان كاسترو قد تعمّد اختيار كوردا لكونه مصور أزياء وإعلان، قادر على إلتقاط هالته. أمام كاميرته، بدت الثورة الكوبية جذّابة وقائدها مغرٍ. فلكي يضيف إلى صوره الرونق والبعد والتأثير، جهد كوردا في إعادة التأطير والإقتراب وجعل الألوان شديدة التنافر.

لم يكن يتهيأ لكوردا أنه سيصبح مقرباً من "أب" الثورة. كان قد أسس في الخمسينيات أستوديو وفروعاً أخرى في هافانا، قرب علب الليل والبارات، متخصصة في تصوير إعلانات شركات التأمين وبيع العقارات والروم، لكن كوردا كان يحلم بتصوير الأزياء والعارضات الجميلات. وربما اعتقد أنه حقق حلمه هذا، لكن مع شخص ملتحٍ يرتدي بذلة عسكرية.


وإذا كان ملتقط صورة كاسترو وهو يدخل هافانا في سيارة جيب يوم 8 كانون الثاني 1957 هو لويس مساعد كوردا، فإن الأخير كان يلتقط دخول جموع الثوار في مكان آخر. لتلبية تغطيات الثورة بالصورة، تحوّل كوردا إلى مصور صحفي، فانضم إلى فريق مصوري صحيفة "ريفولوسيون". بهذه الصفة، رافق كاسترو في 1962 في عودته إلى الأدغال ملتقطاً صوره كقائد من زوايا سفلية. في 1959 رافقه كوردا إلى فنزويلا، في أولى زياراته الرسمية، مفتتحاً توثيق الديبلوماسية الكوبية، كانت لقاءات مع رؤساء وشخصيات عالمية (غاغارين، نيرودا...) وصور مدهشة للحظات متميزة: كاسترو بقبعة الفرو الروسية، كاسترو يلتقط صورة لعائلة خروتشوف بكاميرا فورية مستوردة من بوسطن. قال كوردا عن صورة كاسترو أمام تمثال لنكولن في واشنطن، حيث بدا صغيراً: "إنه دافيد بمواجهة غوليات". في نيويورك بدا مع نجمات الإذاعة مسترخياً. "في تلك الأثناء كان كاسترو، بنظر الشعب الأميركي، روبن هوود رومنسي، هزم باتيستا السيئ. لم أفتش عن صورٍ تُظهره كرجل سلطة آمر، بل كرجل عادي، إنساني، يهتم بالآخرين" قال كوردا.

غالباً ما بدا كاسترو قوي البنية، حسب رغبته. صوره وهو يلعب الغولف جاءت "ساخرة من الرئيس الأميركي ايزنهاور الذي ظهر في "نيويورك تايمز" وهو يمارس نفس اللعبة. "إنه تمرين على كاريكاتور طفل طيب القلب" قال كوردا.

لم يمانع كاسترو يوماً في التقاط صور له، لذلك تمتّع كوردا بحرية مطلقة، ذلك ما يفسر عفوية صوره.

نجح كوردا في رسم بورتريه فاتنة لـ"زعيم" زادت إعجاب "الجماهير" به.  في 1968 أممت السلطة الكوبية استوديوهات "كوردا" ففقد كامل الأرشيف باستثناء صور الثورة. وثّق العديد من المصورين المحليين والأجانب الثورة الكوبية، فأفرد لهم تاريخ الفوتوغرافيا المعاصرة فصلاً بعنوان "مدرسة كوبا".

بعد أن انقلبت الثورة إلى حبيبات فضة حساسة للضوء شكّلت مساحات الصور، تحوّل اليوم آخر رجالاتها إلى رماد.  
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها