الثلاثاء 2016/12/06

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

هلال شومان:"كان غداً" تعلن فشل نظامَي السِّلم والحرب اللبنانيين

الثلاثاء 2016/12/06
هلال شومان:"كان غداً" تعلن فشل نظامَي السِّلم والحرب اللبنانيين
لا مديح واضحًا للحرب في الرواية إلا في أقوال مَن عاشوها (تصوير: نادية أحمد)
increase حجم الخط decrease
بعد "ما رواه النوم"، و"نابوليتانا"، و"ليمبو بيروت"، أصدر هلال شومان، وعن دار الساقي، روايته الرابعة "كان غداً"، وسيجري توقيعها في "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" الجمعة 9 كانون الأول، من الساعة السادسة حتى الثامنة مساءً.

عن روايته الجديدة، هنا، حوار  لـ"المدن" مع شومان.


- تتألف "كان غداً" من مقاطع معنونة على أساس الدائر فيها، والدائر، هنا، له طِرازان، الأول سردي، والثاني ميديوي. حسناً، هناك شعور يعتري القارئ، وهو أن المقلب السردي فيها، إعلامي ايضاً، بحيث ان شخصياته تتصرف، وهنا، قد تبدو الملاحظة مضحكة بعض الشيء، لكن، لا بأس، تتصرف الشخصيات كأنها فعلاً في رواية، لدرجة أن أفعالها مفرطة في مشهديتها. أليس هذا على علاقة بالسُّدى الذي يجتاح الرواية؟

* كل شيء مكتوم، حتى مراحل متقدمة من الرواية. البديل هو صناعة المشهد والحوارات الداخلية. حتى هذه الأخيرة -الحوارات الداخلية- جزء من صناعة المشهد، ومحاولة نفاذ إلى داخل الانكتام هذا. لكنها محاولة فاشلة لا تنجح في النصف الأول. حتى عندما تبدأ القصة داخل القصة، يسود بعد التناوب السردي مزاج منتظر إلى أين سيؤدي ذلك كله، وهذا جزء من المشهدية نفسها. الفيصل هنا في الإحساس أن الشخصيات مضطرة في سيرها لخيار إرغامي غير مبرر من الكاتب، لا في كونها جزءًا من مشهدية. هنا نعود إلى القسم الأول وإلى ضرورته لتقديم الشخصيات حتى تصبح أفعالها اللاحقة أكثر منطقية. هناك أيضًا ما ينكشف لاحقًا ليردم ثغرات سردية سابقة.
بشكل عام، المشاهد الإعلامية تصاغ عبر مداخل ثلاثة: الشخصية بعيدة من المشهد الإعلامي، الشخصية قرب المشهد وتكاد تدخله، الشخصية في المشهد. وفي المدخل الأخير، يندمج مشهدان: السردي والإعلامي. وتنفجر عندها فقاعات الشخصيات. هناك مقطع في الرواية يتحدث عن "عالمين" وعن "فشل مجاور" يحيل إلى هذا الإفراط في المشهدين ليصير السير والإعلام عالمَين مستقلين. الاندماج يبدأ تحديدًا بعد هذه الملاحظة.

- في الرواية، الكثير من وسائل الاعلام، من التلفزيون الى الواتس آب، مروراً بالهاتف طبعاً، لكن، أين فايسبوك؟

*لدينا مطلّقان، ولدينا متزوجان متواجدان في بلدين مختلفين، ولدينا شخصية تحاول الدخول في علاقة جديدة بعيدًا من علاقة سرية سابقة. علاقاتهم ومشاكلهم قائمة على الثنائية لا على العرض أمام آخرين. الرواية أصلًا تقدم الشخصيات بدايةً كأنها تعيش في فقاعات مخصصة لها، والانكشاف يحدث عندما يقتحم العالم الآخر الذي يحاولون تفاديه بوعي سابق وبلا وعي سببه الرغبة في العزلة بعد فشل علاقاتهم.  ليس فايسبوك مناسبًا لهذه الشخصيات تحديدًا. ليس المطلوب تقديم فايسبوك لأن الرواية رواية حديثة. على العكس، المنطلق الأول هو فهم الشخصيات وما يمكن لها أن تفعل أو تتجنب. تجنب فايسبوك، والالتزام بالتواصل الثنائي، والحد من "جمهور" الشخصيات،  أكثر من منطقي بهذا المعنى.

- لكنهم، ولفرط إعلاميتهم، يبدون فايسبوكيين لامرئيين. في كل الأحوال، وفي إحدى لحظات قراءة الرواية، ولما تجد أحداثها تقع وتنطفئ، أو تجري الإطاحة بها من قبل الشخصيات، نظراً الى تركيبها الذاتي (خذ مشهد الحب بين خالد وريم كيف حل كإقرار كلامي بلا ان يكون انهياراً للتصورات)، تشعر أن هذه الشخصيات تحتاج، ولكي تخرج من هاوية الإفاضة الميديوية، ومن هاوية كتم خوفها، تحتاج الى ذلك العجوز في مسلسل twin peaks الشهير، الذي، وفي احدى الحلقات، وبعد لازمة "لقد حدثت {الجريمة} من جديد"، يتقدم من المحقق كوبر، يربت على كتفه، ويقول له:"انا آسف"، وعندها، يتغير كل شيء. لا أحد كان قادرًا على مواساة أحد من الشخصيات، الكل منشغل بتدبير صورته، فقاعته، لا سيما عبر غيره. لا عزاء، هل هذا لكي تبقى الشخصيات شبه ميتة، متجمدة، وحتى عندما يحل الموت، لا نجد انهم يكترثون؟

* عليّ أن أتعرف على هذا العجوز إذًا! لم أشاهد twin peaks بعد. "لقد حدث الأمر من جديد"؟ في بداية الرواية يقال صراحةً إنّ ما ستقرأونه حدث أو قد يحدث أو سيتكرر حدوثه. لا اكتشاف هنا. الأمر متوقع، لكن يتم تجاهله. والحدث الفعلي يتأسس، لا عند حدوثه، فهو حدث متكرر، لكن عندما لا يعود للنكران ولغض البصر أي معنى، وذلك ببساطة لأن تحالف الأحداث ومساسها بأشخاص في مساحة قريبة، أطاح الفقاعات ووضع الشخصيات قبالة بعضها البعض، ونفسها. عندها فقط يصبح الحدث حدثاً مؤسِّساً.
دعني أعود إلى فكرة الإطاحة وعدم الركون إلى انهيار التصورات، سواء في ما يخص مشهد الحب وغيره. هذه من أجمل "ملاوعات" القارئ. اتركه يأتي، اتركه يتصوَّر، اتركه يتوقع، دع التوقع يقترب، ومن ثم ابتعد عن المتصوَّر تماماً أو اجعله يحدث، لكن من دون تعظيم، فلا يعود تصورًا (لأن التصور يتعملق بانتظاره). الخلاصة: بين الدهشة والابتسامة المرافقة للقراءة، أفضل الابتسامة الصامتة. أورهان باموك يتحدث عن التذبذب بين الحساسية والسذاجة.
أما الإفاضة فهي جزء من مشروع آخر قِوامه العمل على الكلام والحوار والمحكي أكثر. والإفاضة هي مهرب الشخصيات بالفعل. مدخل الرواية يحوي مقطعًا لميشال شيحا بهذا الخصوص رابطًا بين التبحر (لنقل الإفاضة) والخوف من إشاعة الملل: "لبنان معين لا ينضب. ومن خلاله يمكن أن نستشف العالم، مثلما أستشف البحر من وراء نافذتي على المطل. والى ذلك كم أخشى، لفرط التبحر في هذه البلاد والكلام عليها، أن أشيع الملل في السامع والقارىء على السواء".
هذا التخوف تحديدًا كان في صلب تحدي كتابة "كان غدًا". كيف لا يحل الملل مع كل هذه الاستفاضة؟ أي المقاطع الإعلامية يجب أن تبقى؟ أيها يجب الاستغناء عنها أو تقصيرها؟ أين موضعها في السرد؟ هل تؤدي بالفعل دورًا؟ ماذا عن مقاطع المونولوغات؟

-هناك كابوسية في الرواية، لكنها كابوسية لا حظوة لظهورها في الشوارع، والطرق، والشاشات، وحتى الانتباه إليها لا يعني الكثير: يقع الانفجار، ولا يتغير سوى جسد لينا، أما الأشياء الأخرى، فتبقى على حالها. وفي الوقت عينه، هناك الست جانيت، التي تقول لضرغام، بما معناه، "الحرب بتخلصنا". هل سدى الكابوسية في نظام السلم يترك مجالاً لمديح الحرب؟ وهذا يتصل بتلك اللازمة التي نسمعها في بعض الأحيان على ألسنة كُثر: "أيام الحرب كانت أحلى"، وهي تبدو رداً على لازمة الطبقة الوسطى: "لا شيء يحصل"، وذلك يتضمن أن الطرفين يفرطان في ميديويتهما.

* الكابوس، كما الشخصيات في الرواية، مكتوم، حتى عندما ينفجر، لا نعرف عنه الشيء الكثير. الأضرار محدودة والخوف أكبر من الأضرار المتوقعة أو التي حدثت. هذه سمة من سمات العيش في نظام السِّلم. لا مديح واضحًا للحرب في الرواية، إلا في أقوال مَن عاشوها وهم من فئة عمرية معينة (سائق التاكسي وشخصيات قصة سوق الغرب). ترد العبارة ضمن استعادة لقصة من زمن الحرب. والحرب في هذه القصة مختصرة في إشراف على مدينة يتصاعد منها الدخان، وبحواجز طيارة تدفع لها لتمرر سيارتك، وبأصوات انفجارات وحريق مدرسة. الحرب هنا أشبه بفيلم مصوَّر، الأشياء محدودة في صراع بين مسلحين على أرض مزروعة شجر تفاح. العبارة التي تشير إليها تأتي في سياق تتبع كيف يتصرف الأشخاص في حرب، وكيف تتغير آراؤهم من يوم إلى آخر.
الحرب في الرواية شبح، ووجودها في هيئة شبحية يقوي من ضرورة الإبقاء على نظام السِّلم، هذا في اعتقاد الخائفين من عودتها. لكن إلى متى ستظل تلك الضرورة قائمة؟ الذهاب إلى حرب وراء الحدود مثلًا يأتي في سياق تسووي بين الإبقاء على نظام السِّلم ومعاودة زيارة الحرب. تعليق عاملين أجنبيين على عمودي كهرباء هو في إطار إثبات أن كل شيء تحت السيطرة. وعندما تود أن تستمر في الإنكار، وترتقي في سلم الإثباتات، ماذا تفعل عندها؟ تحتمي بسردية: "أحارب وراء الحدود لأحافظ على نظام السِّلم هنا". وكل هذا يترافق مع خطاب مديح الحرب! هو إفراط في اعتقاد الحفاظ على ما هو موجود بزيارة المخيال وراء الحدود. في الرواية يُقدَّم كل شيء على أنه فشل بفشل. لا نظام سِلم ناجحًا ولا حرب طاحنة، والمساحتان تتغذيان من بعضها البعض فحسب. 

- تحلّ خاتمة الرواية كأنها شبه حلُمية، تقف أمامها، ولا تعرف إن كان قد حدث شيء أم لا، فبعد كل هذا السُّدى الذي سردته الشخصيات، تبدو رواياتها كأنها ستستمر ولن توقفها خاتمة، كيف انهيت السُّدى؟

* عندما وصلت في الكتابة إلى القسم الأخير، كان واضحًا لي أن ثيمة الإستمرار يجب أن تكون موجودة. الأمر كان بيّناً منذ البداية، منذ الجُمل الافتتاحية التي تقول أن ما حدث حدث فعلًا في العام 2016 أو قبله أو سيحدث في العام 2017 أو بعده. على الرغم من هذه الإشارة، تتنازعك أفكار في الكتابة حول كيفية إنهاء كتابك. الحلم موجود في الرواية. هناك مقاطع يتبادل فيها خالد وريم الأحلام. وبدت الخاتمة الحلُمية خيارًا مناسبًا للإنهاء والاستمرار في آن. كان ضروريًّا للوصول إلى ذلك، أن تنتهي خطوط وتبقى خطوط أخرى مفتوحة. رغم ذلك، النزوع إلى الحلم الخالص كخاتمة من شأنه أن يضرب ما كُتِب قبله، لذلك كانت ثيمة الإشراف على ما حدث بعدها من عالم آخر. أي العالمين حلُم؟ كلاهما وغيرهما. أنت في الحلم تشرف على أحلام أخرى، فلا يعود حلمك حلمًا. الحلم موجود لكنه ليس مهربًا، هو مكمّل ومحفّز ومشرف على ما حدث خارجه.

- وأنت تتكلم، خطر في بالي، وعلى سبيل المزاح، أن لقبك "الروائي الشاب" يجب أن يتحول الى روائي السّدى..

* مصيبة هذه الألقاب! يظنون أنهم يمدحونك عندما يصفونك بالشاب. حتى الآن، بعد ثماني سنوات على روايتي الأولى، تصلني أسئلة عن "الرواية الشبابية" و"الرواية الجديدة" ولا أحد يخبرك ماذا يعني بالتسميات. مَن الشاب ومَن الجديد وما هو المعيار؟ الموضوع بات ثقيلًا وصار مدعاة للتندر. التصنيف العمري لعملك هو حكم سلطوي في المقام الأول، يقول لك إنك لم تدخل بعد إلى مساحة ومجموعة أخرى، وإننا نحن مَن نحدد متى وأين. وقد يبدو الأمر مضحكًا، لكن التشويش عبر التندر والسخرية على ذلك كله قد يكون هو المطلوب. من قال إنَّ كل مَن يكتب يرغب في أن يكون ضمن جماعة؟ يبدو أن علينا البدء بتطبيق تمرينات "كيف تختفي" لهيثم الورداني!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها