الخميس 2016/12/22

آخر تحديث: 13:03 (بيروت)

الفنانة كلود مفرّج.. لماذا بيروت الأبنية؟

الخميس 2016/12/22
increase حجم الخط decrease
هي بيروت، ثقل المدينة ورونقها ومخيال الكتل الأسمنتية والأبنية الفارهة بتنظيم لوني أشبه بالمسطرة طافي على السطح، هكذا أرادتها الفنانة اللبنانية كلود مفرّج في معرضها، في غاليري آرت سبايس – حمرا.


تسعى الفنانة من خلال أعمالها إلى صياغة أشكال هندسية لونية ذات اتجاهات عدة تتبلور كأبنية، مستدعية ما يحمله الشكل من امكانات، ومستغلة تضافر تلك الاشكال لخلق حركة معينة في اللوحة، زادها عمقا المشهدية المنعكسة من فوق وكأننا أمام مجسمات هندسية تبلورت أمام ناظري المشاهد بحيث يستطيع رؤيتها من زوايا عدة. كما تعمد الفنانة لاتباع تقنية تشي بالعمق اللوني وتدرجه، وهي إذ تتمسك في بعض أعمالها بخط الأفق الذي يقسم اللوحة، يبرز في أعمالها التقاط الصورة من أعلى، وكأنها مأخوذة من السماء أو من شرفة عالية، في تصوير حميمي يغلب عليه التساوي في التأليف وتوازن النقاط المركزية في البناء. ومع تغلّب المساحات اللونية النظيفة مع بعض من الالوان الباردة، والإضاءة الماتعة، تتمثل أبنية الفنانة كشواهد قليلة التعقيد بأسلوب فني مصاغ بدراية رفده وضخ فيه الحياة بشكل أكبر تخصص الفنانة بالهندسة.

ترتبط بيروت، في عيني الفنانة، بالاهتمام بالطابع التوثيقي العمراني، وإذ يُشهد لها بالدقة في التدوين والتكوين، يحيلنا المشهد الى بيروت محددة، ذات السمات الجمالية، مع غض الطرف عن بيروت الأخرى، أعني بها بيروت الأزقة الشعبية، والأسواق، وأحزمة البؤس والبيوت الأثرية والقرميدية وتلك المتهالكة. لعل الفنانة أرادت في معرضها من حيث هو وسيلة للتعبير، أن تسلط الضوء على بيروت، تلك المتناسقة بعماراتها المتعالية المتناغمة بإيقاع تركيبي راقي لتنقل للمشاهد رغبتها بتأطير بيروت المدينة التي تحب بكل ما هو جميل وأخاذ. ولعل الفنانة في تصويرها الأبنية وليس شيئاً غيرها عن عمد أرادت فيما أرادت مع ما تريد من تحميل لوحاتها للطاقة الايجابية في تمثيلها لبيروت العمرانية، أن تشير أيضا إلى غزو الغابات الأسمنتية للمدينة، وغيبوبة المساحات الخضراء، وتشظي المنظور ضمن المساحات المسطحة للجدران الصامتة.

يغلب على أعمال الفنانة الطابع التوثيقي، في مساحة تبتعد فيها بعض الشيء عن الانفعال ولا تترك مساحة كبيرة  للمشاعر والأحاسيس اللونية على حساب الدقة في التكوين، وكأن برودة الأسمنت المنبثق من اللوحات قد طاول بعضاً من المزاج العام، فتم الاكتفاء بالتصوير المجرد للهياكل الهندسية لتشي وكأننا أمام قطع منحوتة بالكثافة اللونية. وليس في ذلك انتقاص من أعمال الفنانة مفرج، بل لعلها عبّرت به عن قصد لتشير للعالم الموضوعي المحيط بالمدن ومنشآتها وخطوطها المتداخلة، وما شيدته من آثار صماء، ذلك أن طابع المدينة عموماً بغاباتها الأسمنتية، بارد، وهو ما رغبت الفنانة في نقله من خلال معرضها، لكن مع هذا يستشف من أعمال مفرّج شوق إلى بيروت الحضارة والمدنية والعمران والأضواء والألق.

نشير إلى أن للفنانة باعاً طويلاً في عمارة الأبنية وفي إسقاطات الضوء كما في البراعة والحركية بالخطوط، ومن خلال الإطار العام لمناخ المعرض يستنبط رغبة الفنانة في التدليل على جانب تأويلي من ورائه، يدع المرء واقفا أمام تساؤلات عدة في صدد تلك الأعمال الفنية، أعني في جانبها التمثيلي – التصويري، ما الداعي لتصوير بيروت وفقاً للأبنية، أهو تخصص الفنانة؟ أم لعله الرغبة في بيروت الحديثة العمرانية؟ أم لعله السعي لإظهارها مثل نيويورك أو هونغ كونغ او بقية المدن الراقية ببُعد سياحي؟ ام لعله شيء آخر غير ذلك... في النهاية لا يمكن للمرء أن ينحت جوابا شافيا حول تلك التساؤلات وغيرها، فهي متعلقة بصميمية الفنان ورؤيته ورغبته من وراء إنتاج الأعمال الفنية، وتبقى تلك الأمور جزئية وتأويلاتها غير متسلسلة، ذلك أن على الفنان تقديم شريط فني غير مترابط، تحيلنا مفرداته إلى كل ما اعتمل في ذائقته وفقا لجماليات معينة وشروط فنية محددة توافرت بكثافة بمجملها في معرض الفنانة كلود مفرّج.


(*) يستمر المعرض حتى 7 كانون الثاني 2017 في غاليري آرت سبايس - حمرا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها