السبت 2016/12/10

آخر تحديث: 12:49 (بيروت)

"فريد أبو شعر" في معرض الكتاب

السبت 2016/12/10
"فريد أبو شعر" في معرض الكتاب
معظم أصحاب دور النشر كانوا يشكون من تزوير الكتب
increase حجم الخط decrease
خلال جولة في أروقة معرض الكتاب العربي في البيال، تخيلت من باب التهكم، ماذا لو نزل فريد أبو شعر، ليوقع ديوانه، من سيأتي الى حفله، من هو جمهوره؟

فريد أبو شعر من شخصيات رواية "طبع في بيروت" لجبور الدويهي (دار الساقي)، شاب في الثلاثين من عمره، ابن قرية جبلية، ينتقل مع والدته للعيش في بيروت، يحمل كتاباً، أراد نشره فلم يستطع، يجول على عشرين دار للنشر، ترفض جميعها طباعة مخطوطته، كانت كل الأبواب موصدة في وجهه، يسأل الناشر البطل في الرواية: ماذا تريدنا أن نطبع لك؟ ما هذا، شعر؟ نحن لا نطبع شعراً. فيقول لهم هذا ليس شعراً، فيردّون عليه نحن لا نطبع نثراً؟ فما الحل؟! يعرضون على الكاتب وظيفة مصحّح في المطبعة. هنا يشعر البطل بالإحباط، ومن ثمّ يرضى ويدخل في القصّة... عندما وجد على مكتبه مخطوطته الضائعة وقد تحوّلت كتاباً فاخر الطباعة بنسخة واحدة، لم يكن يعلم أنّها الدليل الوحيد للأنتربول في قضيّة تزوير. يقع الشاب في غرام زوجة ربّ عمله الفاتنة "بيرسيفون" ... على أن تورّط أصحاب المطبعة في عمليات تزوير عملة ومن ثمّ انفراط عقد المطبعة يسوق الشاب إلى حكم ملتبس بالسجن ثلاث سنين إذ يتبين للمحقق أن النسخة اليتيمة من ديوان فريد أبو شعر والمطبوعة على نحو سريّ باتفاق بين الزوجة وأنيس الحلواني المشرف هي نسخة تطابقُ أوصافُ ورقها وصفَ ورق العملة. بلا سبب وأنا اقرأ مسار أبو شعر، تذكرت قول الروائي هنري ميللر "أن ذعر الشاعر وإحساسه بالتعرض للخيانة والخديعة يوازيه رد فعل العالم حين يكتشف لأي غرض إستخدمت إختراعاته"، وبلا سبب أيضاً تذكرت جاروميل الشاعر، بطل رواية "الحياة في مكان آخر" لميلان كونديرا. كان جاروميل يجوب الشوارع مسحوراً بقدره الخاص، وخلال رحلة الشاعر الشاب يكتشف أن الأناقة جريمة سياسية برجوازية. ومن يقف ضد النظام الاشتراكي يصفى تماما. حتى لو كان وقوفه في خياله فقط، وأنه عندما تبدو بعض ملامح الحرية، هنا وهناك، يقول عنها البطل: تلك الحرية الكئيبة. أن جاروميل ظل يتخبط ولم ينقذه الشعر والمرأة والشعر السياسي من الهوة التي تتسع في أعماقهِ بصورة خرافية. ولم يدرك سر التلاشي في كيانه إلا حين أفزعته تلك الصدمة حين وجد نفسه سبباً في إعتقال حبيبته... لا شيء يجمع بين بين جاروميل وأبو شعر سوى الانيهار، الأول انغمس في الولاء للطيغان، والثاني طحن الزمن أحلامه، كأنه يقرأ الشعر للحيطان. وفي جاروميل يحضر طيف عشرات الشعراء المحظيين لدى الطغاة، وفي فريد أبو شعر تحضر جوقة كبيرة تظن نفسها محور الكون وتعيش في المرايا والمتاهات.

ما وراء قناع أبو شعر مرآة لأحوال سائدة، وتحول في مسار كل شيء، من الشعر مرورا بطقوس الكتابة والطباعة والقراءة وناس المدينة، من عبق الورق الى هلاميات الفايسبوك. فمع ان "الشاعر التقليدي" كان في الماضي بمثابة قناع لنبي أو الناطق بلسان القبيلة وحتى القضية والأمة والشيوعية والعروبة وفلسطين وسوريا الكبرى والقومية اللبنانية، انحدر مساره وصار يحاكي نفسه، كأنه يكتب لنفسه فحسب. على أن كلمة الشاعر والفيلسوف والمثقف من التعابير الغاوية في النسيج العربي، لكنها الأكثر عرضة للسخرية من العوام وحتى من الوسط الثقافة نفسه...

ربما لو حضر فريد أبو شعر الى المعرض، كان سمع حديثا مطولاً عن تزوير الكتب، فمعظم أصحاب دور النشر كانوا يشكون من التزوير في العالم العربي، وهذا الأمر يشكل مقتلة لمستقبل الكتاب والتأليف. ما لا يطبعه المقرصنون يصورونه وينشرونه على مواقع الانترنت، وهذا جزء من تحول مسار المطابع والتأليف والترجمة، جزء من أزمة الكتاب ولا جدوى قوانين الملكية الفكرية، اذ نادرا ما نجد كاتبا عربيا يعيش من أعماله، ربما الجميع سيكون مصيرهم مصير فريد أبو شعر، يطرقون ابواب دور النشر والمطابع وما من من مجيب... وقد تتفرغ المطابع لطباعة لوائح الطعام...

حضر طيف أبو شعر، في وقت أصيب الجمهور الثقافي بحمى ثقافة النميمة والثرثرة حول رسائل الشاعر أنسي الحاج الى الكاتبة الدونجوان غادة السمان، سبع رسائل من ستينات القرن الماضي شغلت الصغير والكبير ومحطات التلفزة وشغلت المخيلات في متاهة البصبصة، في المقلب الآخر كان الرأي العام اللبناني يتابع منع أغاني فيروز في الجامعة اللبنانية، وتوقيف الصحافي المغمور باسل الأمين على خلفية تعليق فايسبوك يزدي الجمهورية اللبنانية ويمدح اللاجئ السوري.

الصورة التهكمية التي يرسمها جبور الدويهي للشاعر والمطبعة في روايته، تنطبق على كل شي في لبنان، من السياسة الى الثقافة الى البيئة والحياة الاجتماعية والجامعات والاعلام والمدن، لا تخص الشعر وحده ولا الحرف ولا طقوس الطباعة، هي لا تؤرخ التحول الذي طرأ على كل شيء، في زمن طوفان الميديا والتلاشي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها