الأحد 2016/11/20

آخر تحديث: 14:39 (بيروت)

"القارئ" بالعربية.. الحروف كحياة

الأحد 2016/11/20
"القارئ" بالعربية.. الحروف كحياة
كيت وينسليت نالت عن "هانا" أوسكار أفضل ممثلة 2008
increase حجم الخط decrease
هناك أعمال روائية تتيح لقارئها فرصة إقامة علاقة طويلة الأمد في ذاكرته مع بعض شخصياتها أو أبطالها. قد تكون هذه العلاقة عبارة عن انحياز عاطفي إلى شخصية ما، أو موت شخصية من شخصيات رواية كان يجب، من وجهة نظر قارئ ما، ألا تموت، فتظل حاضرة في ذاكرته إلى الأبد. لكن أصعب علاقة بين القارئ وشخصية روائية؛ هي التي من العسير اتخاذ حكم نهائي عليها، وهذا ما قد ينتابك أمام رواية "القارئ" للكاتب الألماني برنهارد شلينيك(*). إذ أن العلاقة العاطفية المربكة والعسيرة التي تربط مايكل بيرج والذي كان يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، والسيدة هانا شميتز والتي تكون في منتصف الثلاثينات من عمرها؛ تحمل مصادفات كثيرة، ستقف حائِلاً بين تأطيرها ضمن سياقها العاطفي، وبين امتداد حضورها في ذاكرة مايكل بيرج. خصوصاً أن الرواية أخذت من موضوع محرقة اليهود في معسكرات الاعتقال النازية خلفية للأحداث، إضافة إلى طرح تساؤلات عديدة حول فكرة العدل، والعقاب، وعقدة الذنب عند جيل من الشعب الألماني ممن عاشوا في فترة الحرب حيال المجازر التي ارتكبت آنذاك في تلك الفترة بحق اليهود. علماً أن الرواية تحولت إلى فيلم، العام 2008، حيث نالت بطلة كيت وينسلت جائزة أوسكار كأفضل ممثلة، كما نال الفيلم جوائز عديدة في مهرجانات أوروبية وأميركية.


تبدأ الرواية في سرد أحداث اللقاء الأول بين مايكل وهانا على لسان مايكل/الراوي؛ فحين كان مايكل في الخامسة عشرة من عمره أُصيب بالتهاب كبدي، وفي أول مرة حاول الخروج من البيت بعد المرض شعر بالضعف أثناء سيره، فتوقف في أحد الشوارع القريبة من بيته وبدأ بالتقيؤ. ستراه السيدة هانا شميتز وتغسل وجهه بالماء وتساعده في الوصول إلى البيت. بعد أيام قليلة سيذهب مايكل إلى بيت السيدة شميتز ليشكرها ويقدم لها باقة ورد، ستدعوه إلى بيتها، لكن في هذا اللقاء ستلفت هذه المرأة انتباه الصبي المراهق وتستحوذ على مشاعره ورغباته، خاصة عندما يراقبها وهي تبدّل ملابسها لتخرج وتتمشى معه: "أذكر أن أوضاع جسدها وحركاته كانت بطيئة أحياناً. ليس لثقل وزنها. بل بدت أكثر، وكأنها تنسحب داخل جسدها، لتتركه لنفسه، ولإيقاعه الهادئ، غير عابئة بما يدور في رأسها، ناسية العالم حولها. النسيان نفسه، الذي غشى نظراتها وحركاتها، وهي ترتدي جواربها...".

في اللقاء الثالث سيمارسان الحب. لكن بعد زيارات عديدة، ستطلب هانا من مايكل أن يقرأ بعضاً من النصوص الأدبية التي يدرسها في المدرسة، وسيقرأ لها فقرات من الأوديسا ومسرحية إيميليا جالوتي. وسيستمر بعلاقته مع هانا إلى أن تختفي فجأة من حياته. سيعلم من أحد الأشخاص المقيمين في المبنى نفسه أنها انتقلت إلى مكان آخر، إضافة إلى تركها عملها كقاطعة تذاكر في محطة الترام.

بعد ثمانية أعوام، سيرى مايكل هانا مرة اخرى في قاعة محكمة، وستكون الأخيرة ضمن مجموعة من المتهمين بإحدى جرائم معسكرات الاعتقال النازية، وسيتضح أن هانا قد التحقت بـالـ"فافن اس اس" (وهي منظمة عسكرية نازية) ما بين العامين 1944 و1945. "النساء الخمس المتهمات كن حارسات في معسكر صغير بجوار كراكو، وهو معسكرٌ تابعٌ لاوشفتيز، ونقلن من اوشفيتز إلى هناك في أوائل العام 1944 ليحللنَّ محل حارسات قُتلن أو أصبن في انفجار في المصنع، حيث كانت النساء تعمل في المعسكر".

أما مايكل الذي بات طالب جامعة ويدرس القانون، فسيكون موجود في المحاكمة مع مجموعة من الطلاب المكلفين من قبل استاذهم بمتابعة محاكمات معسكرات الاعتقال كموضوع للسيمينار. 

سيتمحور الفصل الثاني من الرواية حول أجواء محاكمة الحارسات والسجينات المدّعى عليهن – من ضمنهم هانا "إحدى التهم الرئيسية كانت تتعلق بليلة التفجير، التي أنهت كل شيء. القوات والحرس كانو أغلقو الأبواب على السجينات، مئات النساء، في كنيسة بقرية هجرها معظم قاطنيها (...) قنبلة أخرى سقطت على أرض الكنيسة، فاحترق البرج أولاً، ثم السطح، ثم انهارت، بعد ذلك العوارض الخشبية المستعملة لتسقط في صحن الكنيسة، ثم أمسكت النيران بالمقاعد الخشبية الطويلة، لم تكن الأبواب الكبيرة قابلة للتزحزح، وكان بوسع المدَّعى عليهن أن يطلقن سراح السجينات، لكنهن لم يفعلنَّ ذلك، وحُبست النساء في الكنيسة، واحترقنَّ حتى الموت"...

كان أعضاء المحكمة يستندون في محاكمة المدّعى عليها على تقرير قد كتبته إحدى السجينات وقد عثر على هذا التقرير ضمن سجل في أرشيف "فافن اس اس". لكن ما يحدث في المحاكمة هو أن إحدى المدّعى عليهن تقول للقاضي أن هانا هي التي كتبت التقرير. وعندما يقترح أحد وكلاء النيابة استدعاء خبير لمقارنة الخط اليد، ما يعني أنه سيُطلب من هانا أن تكتب شيئاً بخط يدها، لكنها لن تستطيع ذلك، وتنفعل: "لستم في حاجة إلى استدعاء خبير، فأنا أقرّ بأنني كتبت التقرير". فيُحكم عليها بأن تقضي بقية حياتها في السجن.

لكن ما يكتشفه مايكل متأخراً هو أن هانا لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة. بعدما راجع في ذاكرته الأوقات والتفاصيل بينهما، إصرارها دائماً على أن يقرأ لها بصوت عالٍ، وكذلك فعلت مع بعض النساء المحبوسات في المعتقلات، حيث كانت تختار عشرة من النساء الضعيفات والغير قادرات على العمل، وتطلب منهن قراءة الكتب بصوتٍ عالٍ. "كان شعور هانا بالخزي والعار من كونها أميةً مبرراً قوياً لسلوكها في المحكمة وفي المعسكر، أن تقبل أن تكون مجرمةً خوفاً من أن ينكشف أمرها كأمية؟ وأن ترتكب الجرائم لتحاشي الأمر نفسه؟".

(*) صدرت بالعربية مؤخراً عن دار روافد للنشر والتوزيع في القاهرة – ترجمة تامر فتحي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها