الثلاثاء 2015/07/07

آخر تحديث: 15:07 (بيروت)

"الأصولي الحائر": الرمادي خلف إزدواجية الخير والشرّ

الثلاثاء 2015/07/07
increase حجم الخط decrease
شاءت الصدف (ربما) أن يتّم اغتيال أحمد شاه مسعود، الزعيم القومي الأفغاني الذي تصدى لجماعة طالبان لفرضها رؤية متطرفة للإسلام، في التاسع من أيلول 2001 أي قبل يومين من قيام القاعدة بعمليتها الإرهابية في نيويورك والتي غيّرت وجه العالم.

الإزدواجية بين مسعود الذي نادى بإسلام سياسي متحضّر يضمن حقوق المرأة ويدفع إلى تعليم الشعب وتطويره وأسامة بن لادن الذي أعلن أن مواجهة الغرب لا تتم إلا عن طريق العنف والإرهاب، هي في صلب فيلم "الأصولي الحائر" The Reluctant Fundamentalist (من إنتاج العام 2013) والذي سيعرض قريباً في صالات السينما اللبنانية.

يروي الفيلم، المقتبس من رواية كتبها محسن حميد في 2007، قصة شاب باكستاني ينتقل من لاهور إلى الولايات المتحدة للدراسة والعمل. وبعد تفوقه في الجامعة، ينجح شانغيز بالحصول على وظيفة مهمة في شركة مالية كبيرة في نيويورك. ويؤدي دور الشاب الممثل ومغني الراب البريطاني الباكستاني الأصل، رزوان أحمد، والذي لمع في أول دور سينمائي له في فيلم "الطريق إلى غوانتانامو" وفيه جسّد شخصية رجل بريطاني من أصول إسلامية قضى سنتين في سجون غوانتانامو بعد أنّ اتُهم بالإرهاب عن طريق الخطأ. والملفت أن أحمد أوقف في أحد مطارات لندن إثر عودته من مهرجان برلين حيث عُرض هذا الفيلم وحصد جائزة الدب الفضي. وبحسب مصادر مقرّبة منه فقد استجوب حينها لمدة ساعتين وسؤاله إن كان ينوي المشاركة في أفلام سياسية أخرى.  
 
"الأصولي الحائر" هو من إخراج الهندية ميرا ناير التي اشتهرت بفيلمي "سلام بومباي" (1988)، عن أطفال الشوارع ومعاناتهم في الهند، ومؤخراً فيلم "مونسون ودينغ" (2001) (عرس في زمن المونسون) الذي حصد جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية. وناير هي مناصرة للقضية الفلسطينية إذ رفضت تلبية دعوة مهرجان حيفا السينمائي في 2013 مصرحةً بأنها لن تزور إسرائيل قبل أن ينتهي الظلم ضد الفلسطينيين وينتهي الإحتلال.

وفي بداية "الأصولي الحائر"، الذي أنتجته مؤسسة الدوحة للأفلام كنموذج عربي التمويل لفيلم هوليوودي، نشهد على اندماج شانغيز في المجتمع الأميركي وهو ما نلمسه عبر تفاصيل معتادة كتناوله للكحول في الحفلات ومصاحبته لفتاة أميركية. وفي ذروة نجاحه المهني في مكتب يختص بتقديم النصائح والاستراتيجيات للشركات حول العالم لتزيد من انتاجيتها وتقلل من حاجاتها للموظفين، تقع أحداث 11 سبتمبر/أيلول فيصبح شانغيز كغيره من المسلمين في الولايات المتحدة ضحية العنصرية والإعتقال التعسفي من قبل السلطات الأميركية.

إحساسه بأن العالم الجديد الذي اختاره وأحبه وآمن به يرفضه وفي الوقت نفسه أنه بات يشعر بأنه غريبٌ في وسط المجتمع الباكستاني، يدفعه في لحظة إدراك وجودي إلى العودة إلى لاهور والتخلي عن "الحلم الأميركي" للبحث عن "حلم باكستاني". يقرّر شانغيز أن يصبح مدرساً جامعياً في باكستان ليساعد الشباب في بلده على التطور كبديل عن مشروع الإثراء والنجاح الفردي الذي كان قد بدأه في نيويورك.

هنا تبدأ التساؤلات حول أثر تلك العودة على شخصية شانغيز الذي يمثل شخصية المثقف المحلي المتخبط بين انتماءاته للغرب والشرق. هل هو مشروع إرهابي متطرف أم مصلح إجتماعي لشعبه؟ هل هو مشروعٌ لمسعود جديد أو لبن لادن آخر؟



أسئلة عدّة حول جذور الإرهاب وتفاعل الحضارات وتصادمها تطرح نفسها في مواجهة كلامية بين شانغيز وبوبي لينكولن، وهو صحافي أميركي يتكلم الأوردو ويعرف الثقافة الباكستانية جيداً، لكنه اختار أن يساعد وكالة الإستخبارات الأميركية في حربها على الإرهاب. وفي جو تلك الحرب التي لا تقبل إلا حلّي "معنا" أو "ضدّنا"، يبدو الفيلم وكأنه ينتقد سياسة الولايات المتحدة تجاه باكستان بعد 11 أيلول على أنها سياسةٌ تدفع إلى مزيد من الإرهاب والتطرف. ما يعكسه الفيلم هو عدم الثقة التام بين شانغيز ولينكولن أي رمزياً بين الغرب والشرق. مَن هو العدو ومَن هو الصديق؟ مَن المعتدي ومَن المعتدى عليه؟

للأسف لا تصل المشادة الكلامية بين الإثنين إلى العمق السياسي والفلسفي المطلوب، ربما لأن الفيلم يطرح نفسه كفيلم من نوع "الثريلر" (‪(أفلام الإثارة) المبني على تسارع الأحداث نحو لحظة حاسمة ومصيرية. لكن حتى هنا، لم يأت السيناريو بالقوة المطلوبة لخلق جوٍ من الإثارة والترقّب.
  
  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها