الجمعة 2015/06/26

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

جنّي يختبىء في جرّة ناتالي خياط

الجمعة 2015/06/26
increase حجم الخط decrease
عادة ما تسدعي كلمة"سيراميك" مجموعة من الصور الذهنية لخزفيات أنيقة مشغولة بحرفية عالية ومزخرفة بألوان متناسقة. غير أن الصور هذه لا تنتمي لا من قريب ولا من بعيد إلى اعمال ناتالي خياط التي نراها في صالة أجيال (الحمرا - بيروت)..

في حين تعبر مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية واللوحات التشكيلية عن هول المآسي التي عاشها ولا يزال يعيشها لبنان، تبدو الأعمال السيراميكية معرض خياط قد أخذت على عاتقها بتميز اسلوبي لافت، النطق، هي أيضا، بالتشظيات الجسدية والنفسية على السواء والمتعلقة بشؤون الحروب وشجونها، يغلب عليه لون الرماد، بياض النسيان، وسواد ما بعد الحرائق.

 تقدم الفنانة، في معرضها هذا الذي يحمل عنوان "العين الشاخصة إلى البئر"، ما يشبه القوارير والجرار المتوسطة والكبيرة الأحجام والمطلية بالسيراميك. مُشكّلات تشبه الجرار ولكنها في حقيقتها "الوجودية" ليست إلا "مستوعبات" مائعة، يكاد بعضها أن يسوح لشدة اللين الذي توحي به، خاصة من أعلاها، حيث فاه الجرة "المشدوهة" بما يحيط بها وبما في داخلها. البعض الآخر من الجرار يكاد أن يتكسر جرّاء حركة بسيطة أو صوت قد ينطلق فجأة من فم جنىّ لابد أن يكون مختبأ في داخلها.

ليس بأي جنيّ هذا القابع في جرار نتالي خياط. هو العالم بالتصدعات والتمزقات التي اختبرتها الفنانة خلال الحرب اللبنانية، والتي عاشتها مؤخراً في محترفها البيروتيّ عندما دوى الإنفجار الفضيع الذي أودي بحياة اللواء وسام الحسن ومرافقه في الأشرفية.  يومها أصيبت الفنانة إصابات خطيرة، هي وأولادها الذين يسكون في المبنى ذاته التي يقع فيه محترفها.

كل ما هو معروض يشبه للوهلة الأولى، تلك الجرار الأركيولوجية التي كانت تستخرج من تحت طبقات الأرض، وهي محملة بهياكل عظمية لناس تمّ دفنهم فيها من قبل مجتمعاتهم. ولكن المشاهد سرعان ما يستخرج من فكرة الموت العادي، اذا صح التعبير، ومن ملحقاته التقليدية ليدخل إلى عالم النصب-الشواهد المشحونة بأفكار البعث، أو التحول من الشيء إلى نقيضه. لا وجود لقطعة سيراميكية تشبه الأخرى، وكيف ذلك وكل واحدة منها يهمس "جنّيها" عن تشظيات مختلفة؟

تشتغل الفنانة بحرفية عالية، تعطي للأفكار والأحاسيس أشكالا حسيةّ مختلفة، بعض الجرار ما تضفي عليها الطبقة السيراميكية رونقأ رزيناً لا يعرف الصراخ أو المجاهرة بجماليته. ومنها، أي الجرار، المُخدّش أو خشن الملمس وهي الأكثر عدداً والأقوى اشارة وترميزا إلى القيامة ما بعد احتراق العناصرالمُشكلة لها.

وضع منظمو المعرض هذه الجرار االبيضاء مجتمعة في وسط الصالة معزولة عن باق الجرار. تشكيل بصري جامع، أضفى جوا من هدوء شبه قدري، يذكر باللوحات التشكيلية للفنان موراندي وطبيعته الصامتة إلى أقصى حدّ والناطقة في الآن ذاته بمعان النجاة من الموت.

العديد من جرار ناتالي يخترقها ما يشبه الرصاص وتخربشها تصدعات عدة، يجعل من المستحيل النظر اليها على انها أشياء يمكن استخدامها عملياً. هي شواهد سيراميكية على البقاء والإستمرارية.

أما أكثر ما يميز معظمها هو أن من يشاهدها، سيشعر بقوة دفع غامضة تنطلق من داخلها إلى الخارج مُشكلة بذلك حدود أطرافها وتجليات تكسراتها المُتماسكة بفعل سحر ساحرـ ألا هو الجنىّ القابع في عتمة أحشائها.

يُذكر أن الفنانة من مواليد لبنان 1966، تعيش وتمارس فنها ما بين بيروت ومونتريال، كما انها عرضت أعمالها في الشرق الأوسط وأوروبا وكندا. علمت فن السيراميك منذ بداية 2000 في بيروت وهي لا تزال تعطي الدروس حتى اليوم.

* يستمر المعرض حتى 30 حزيران/يونيو الجاري.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها