الثلاثاء 2015/03/03

آخر تحديث: 12:34 (بيروت)

"حال الوسط": اللاكراهية واللاحب

الثلاثاء 2015/03/03
increase حجم الخط decrease
تقدم صالة "رميل" الفنية، في منطقة الجميزة - بيروت، معرضاً للفنان الشاب مازن خداج، بعنوان "حال الوسط"، والذي قد يكون كذلك في المضمون الذي يحاول أن يتطرق إليه الفنان، لكن ليس في صخب الألوان وتجاورها إذ تعنّف أرجاء لوحاته وزواياها المشغولة بـ"الغواش" الذي يعتبر صديق فن الملصقات الأول وربما الوحيد.

يبدو تأثر خداج بالفن الغرافيكي– وهو مجال دراسته - تأثراً كبيراً يحرم لوحته من عمق التعبير عن الأفكار، ليصبح التحليق فوق سطوح الأمور هو الرحلة الفنية والمعنى المُراد التعبيرعنه. لكن، لكل فنان أسلوبه، وليس مطلوباً من مازن خداج أن يتجه فنياً بشكل دون آخر. هذا أمر يُحدده هو وتحدده تجربته الشخصية أولاً، ومن ثم تعمّق التجربة الفنية التي تنتظره.

إلا أن هذا الأسلوب بالذات، الطائف على سطح المعنى، والذي لا يدعي أكثر من تقديم ما يمكن إقتناؤه من أعمال ذات ألوان مفرحة وتصاميم ذكية في الخطوط والأشكال، هو ما قد يدفع الكثير من زائري المعرض إلى التمعن في خطورة الحال التي وصل إليها البلد، بل العالم بأسره.
 
لوحات المعرض عددها 29، معظمها من الحجم الصغير، أعمال تذكرنا بالملصقات الغرافيكية التي عرفها الغرب في السبعينات من القرت الفائت، إن من حيث تركيب الخطوط المتشابكة، أو من حيث الألوان الفجة التي لا مفرّ من ملاحظتها، وإن من مسافة بعيدة.

يعتمد خداج على الشكل البشري عموماً، والعيون والأفواه خصوصاً، للتعبير عن فكرة "الوسطية" التي لا تشبه الوسط في شيء. وفي ذلك، سخرية ما، أراد التعبير عنها، من خلال تناول أحوال الشعب اللبناني في كيفية تعاطيه مع أزماته اليومية والسياسية والنفسية على السواء، وهي أحوال تتداخل في لوحاته على نحو تداخُل تلك الحالات أو "الأزمات". نذكر من عناوين تلك اللوحات: "ضياع"، "العدالة"، "صهّ الآن"، "الوضع الراهن"، "عقدة"، "الغريزة"، الصندوق" و"الحب الصامت".

وعن علاقته الوطيدة بالتعبير اللوني الصاخب، يقول مازن خداج لـ"المدن": "أنا أرى الواقع بالأسود والأبيض، أما الأحلام فأراها بالألوان، لذلك تأتي لوحاتي كثيرة الألوان، لأنها تعبير عن الأحلام". ويبدو أن "أحلام" الفنان الشاب، كما في أشهَر القصص الخرافية الملونة، مليئة بالتناقضات والجرائم "الوردية" والخطوط الحمر التى لا يمكن تجاوزها، والتي في حال تجاوزها، يصبح الخياليّ والخرافيّ كابوساً كاملاً يُعبَّر عنه بشكل فنيّ فجّ، كما في اللوحة المعنونة "الحب لم يعثر عليّ من جديد"، إذ يحاول وجه شخص ابتلاع قلبهن أو قلب شخص آخر.

ينقل خداج، اللون، إلى مرحلة تعبيرية مختلفة، بعيداً من الظلال وحالات الـ"ما بين-بين"، فهو يعبّر عن "حال الدنيا" بشكل مُلطّف، يدعو الناظر إلى الإبتسام، ومن ثم تخفيف جدّية الحالة التي يعيشها في حاضره.

"حال الوسط" يعبّر تماماً عمّا ملّ منه اللبناني منذ زمن طويل. فهو يعيش الوسط من ناحيته السلبية فقط: حالة اللاحرب واللاسلم، اللا كراهية، لكن أيضاً اللاحب، إلخ.. وليست "الوسطية" التي يتناولها خداج، تلك الحالة الحكيمة التي يترتب عليها الإتزان والترويّ والإعتدال في التعبير والحكم على الأمور، وكذلك في تلقي الكوارث والحوادث المفرحة.

لوحات مازن خداج، تعبير عن كل مَن يقف على شفير الهاوية، ويقهقه ضاحكاً. لم لا؟ ألم يقل أهم المتصوفين أن كل الحياة التي نعيشها هي "وهم بوهم".. كذلك هي الأوهام التي يريدنا الفنان أن نراها في ألوان لوحاته وعناوينها.

* يستمر المعرض حتى 8 آذار/مارس الجاري في "غاليري رميل". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها