الخميس 2015/01/22

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

رجاء بن سلامة: عن قمع المحبّين و"شيخوخة" السبسي

الخميس 2015/01/22
رجاء بن سلامة: عن قمع المحبّين و"شيخوخة" السبسي
"بعدما تحوّلت حركة نداء تونس، التي كانت منبوذة، إلى أكبر حزب في البلاد، رأيت أنّ مكاني خارجها"
increase حجم الخط decrease
أصرّت رجاء بن سلامة، الباحثة والمحلِّلة النفسانية التونسية، على تجديد النظر، في جرأة وتبصُّر كبيريْن، في قضايا المسكوت عنه. القضايا التي تَمورُ داخل ثقافتنا العربية الإسلامية، كتبت عنها في مدوّناتها الأدبية أو الفقهية؛ وأصدرت في هذا الشأن مجموعة من الكتب منها "العشق والكتابة: قراءة في الموروث"، و"بنيان الفحولة: أبحاث في المذكّر والمؤنّث".
في هذا الحوار، محاولة من "المدن" للتعرّف على بعض آرائها في الأنوثة والكتابة والسياسة...

- هل من السهل على كاتبة، تنتمي إلى ثقافة عربية ما زالت مُسيَّجة بالمحاذير والإكراهات السياسية والاجتماعية والأخلاقية، أن تُخضع المسكوت عنه في المعيش العامّ إلى مساءلات فكرية جريئة؟

* تجنّبتُ طرح هذا السّؤال طويلا، لأنّي لم أكن أريد لعب دور الضّحيّة. لكني الآن في منتصف العمر، ويمكن أن أقول إنّ السّياق الذي وُجدتُ فيه، أنا وغيري من مجايليّ، سياق مرهق. لو ولدت في اليابان أو في الولايات المتّحدة، لكنت أكثر اهتماما بالبحث في مجالات اختصاصات محدّدة، ولكانت مساهمتي فيها أكبر. بلداننا تؤرّقها قضايا الذّاكرة والهويّة والحرّيّة وتنعكس علينا هذه الهموم. والحلّ الذي وجدته، ربّما في غفلة منّي، هو أن أجعل أبحاثي وكتاباتي لصيقة جدّاً بحياتي وبكوني امرأة. فللمرأة نصيب أكبر من المعاناة الفرديّة. عندما تُولد امرأة في بلداننا، فإنّها كثيراً ما تقضّي جزءاً كبيراً من شبابها وهي تثبت للآخرين، من الرّجال والنّساء أنّها تستحقّ شهائدها ومنصبها، وأنّ الرّجال لم يكتبوا ما كتب بدلاً عنها. وبعد أن تثبت هذا، تبدأ معارك أخرى. يطلّ الإسلام السّياسيّ بقرنيه ليحاول قضم الحقوق والحرّيّات. فتستأنف معارك الثّمانينات والتّسعينات بعد أكثر من عقدين، وهي تقاوم اليأس، ولا تريد أن تقول "ما أشبه اليوم بالأمس". وتنتقل من مقاومة الرّقابة والقمع إلى مقاومة التّهديد بالقتل. هذا حالي وحال الكثيرات.

- هل فارقت المبدعة العربية الحديثة خانتيْ "الغزل" و"البكاء" اللتيْن ارتضاهما لها موروثنا الإبداعي القديم؟ هل يدخل هذا ضمن قولك بالإقصاء الرمزي الذي مُورس ويُمارس على المرأة؟

* تمرّدت المبدعة العربيّة الحديثة فلم تعد نائحة على الرّجال، أو موضوع غزل الرّجال. أصبحت تنتج الشّعر والرّواية وقد دخلت سباق الجوائز كما دخلت سباق الانتخابات. لكنّ مجتمعاتنا تنتج أشكالا مختلفة من التّعمية على النّساء وعلى إنتاجهنّ. فالمشاهد الثّقافيّة والإعلاميّة والسياسة ما زالت ذكوريّة. رأيت منذ سنتين معلّقة لمؤتمر عن الشّعر العربيّ تحتوي على العشرات من الصّور الفوتوغرافيّة للشّعراء. اقتربت منها وتأمّلتها، فوجدت شيئا مرعبا: لم أر بينها صورة امرأة واحدة.

- تعدُّ الكتابة والعشق والفحولة والجسد وحرية المُعتَقَد وحقوق المرأة.. من التيمات الرئيسة التي انصبّ عليها جهدُك البحثي، فهل ما زالت هذه المسائل تحكم رِقاب الفكر العربي في القرن الحادي والعشرين؟

* فعلاً هذه تيمات أساسيّة في كتابتي. وهي تيمات مهمّة في مجتمعات تمارس الرّياء الأخلاقويّ والدّينيّ فتتظاهر بأنّ الجنسانيّة غير مهمّة، وتقسّم حياتها إلى قسمين: ظاهر وباطن.  بل ما زالت مجتمعاتنا تقمع المحبّين كما في كتب الأدب القديمة. في كلّ عام نجد مجموعة كبيرة من الشّبّان والمراهقين ينتحرون بسبب منعهم من الزّواج ممّن يحبّون، أو بسبب رفض اتّجاهاتهم الجنسيّة. والمنطقة العربيّة تعدّ استثناء في ما يخصّ هضم حقوق النّساء وإخضاعهنّ إلى منظومات قانونيّة عتيقة. هناك تطوّر، لكننا ما زلنا بعيدين عن مجتمعات أخرى ربّما تكون المنزلة البشريّة فيها أخفّ وطأة ممّا عندنا.

- تتنازع مستقبل تونس رغبتان كُبريَان ومتصارعتان: واحدة مدنية وثانية دينية، وقد انتصرتِ في مواقفك للأولى منهما، ألا يوجد سبيل إلى التوفيق بينهما في نموذج سياسي يحقّق نهوض البلاد الحضاري من دون إقصاء لأحد؟

* انتصرتُ، قبل صياغة دستور 2014 وقبل الانتخابات الأخيرة، للمشروع المدنيّ المتلائم مع الدّيموقراطيّة وحقوق الإنسان، لكني في الوقت نفسه كنت ضدّ الإقصاء وضدّ الحلول التي تلغي الصّراعات بدلاً من موضعتها وتحويلها إلى جدل سياسيّ. ولذلك حاولت أن أساهم في ممارسة الضّغط على "حركة النّهضة" حتّى تتغيّر هي نفسها وتستبطن في سلوكيّاتها وأدبيّاتها النّموذج الدّيموقراطيّ. وقد قدّمت هذه الحركة تنازلات، لكنّها لا تزال في حالة مخاض. ما نؤمّله هو أن تتحوّل هذه الحركة إلى حزب سياسيّ مدنيّ محافظ، مثل كلّ الأحزاب اليمينية المحافظة الموجودة في الدّيموقراطيّات. عندها يمكن أن نتخلّص من مخاطر الإسلام السياسي، ومزالق التّيوقراطيّة.

- امتدحت الباحثة ألفة يوسف، في مقال لها في صفحتها في "فايسبوك"، مفهومَ الشيخوخة الذي يعيب به البعض حال الرئيس الباجي قائد السبسي، ألا يُعدّ هذا مثالاً لإدمان الثقافيِّ وظيفةَ تبرير السياسيِّ وتجميلِه؟

* لا أعتقد أنّ ألفة يوسف قامت بوظيفة التّبرير السّياسيّ عندما دافعت عن الشّيخوخة. انساقت ألفة في حركة الدّفاع عن الدّولة والنّموذج الحداثيّ مثلي، وإن اختلفنا في بعض الأمور. وقد كان أمامنا مرشّحان فحسب، أحدهما اعتبرناه يمثّل خطراً على الدّولة واستقرارها. ولذلك ساندنا خصمه. ولو وُجد من هو أفضل من هذا الشّيخ لساندته شخصياً. والسّياسة هي فنّ اختيار الأقلّ سوءاً.

- يزعم البعض أن الأسباب التي ذكرتِ في بيان استقالتَك من حزب "نداء تونس" إنما هي أسباب تُغطّي أخرى خفية وصورتُها أنكِ لم تحقّقي مطمحَك في بلوغ منصب مهمّ في الدولة. ما مدى صدقية هذا الزعم؟

* أعلنت دائما وأبدا عن زهدي في المناصب، رغم احترامي لمن لهم طموحات سياسيّة. وقد استقلت يوم الإعلان عن انتصار مرشّح حركة "نداء تونس" في الانتخابات الرّئاسيّة حتّى أترك السّباق لغيري، وأعود إلى موقعي المفضّل، وهو موقع المثقّفة النّاقدة. ساندت حركة "نداء تونس" وقبلت أن أكون عضواً في مكتبها التنفيذي الموسع عندما كان الكثيرون نافرين منها، على أساس أنّها تضمّ بعض أنصار الحزب الحاكم الذي تمّ حلّه. وكنت أرى أنّنا في حاجة إلى حركة تجمع القديم إلى الجديد داخل ديناميكيّة ديموقراطيّة. بعدما تحوّلت الحركة التي كانت منبوذة، إلى أكبر حزب في البلاد، رأيت أنّ مكاني يجب أن يكون خارجها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها