الإثنين 2014/05/19

آخر تحديث: 00:56 (بيروت)

'سلّم إلى دمشق': كأن ملص لا يريد قول شيء

الإثنين 2014/05/19
'سلّم إلى دمشق': كأن ملص لا يريد قول شيء
من فيلم محمد ملص الذي عرض أخيراً في باريس
increase حجم الخط decrease
 لا تنحصر المشكلة، في فيلم المخرج السينمائي السوري محمد ملص "سلّم إلى دمشق"، في عجزه في التعبير عن واقع سوريا الراهن، أو في ما إذا استطاع أن يعكس سخونة الأوضاع من حوله أم لا، أو أن يقول الثورة وكيف فعلت فعلها المزلزل في حياة السوريين. فليقل الفيلم ما يشاء، لكن على الفيلم أن يكون فيلماً أولاً.
 
"سلّم إلى دمشق"، الذي عُرض الجمعة الماضي في باريس في إطار فعاليات النادي السينمائي السوري، يتناول سِير مجموعة من الشبان السوريين الذين يسكنون بيتاً مستأجراً في العاصمة السورية. والمكان هنا، أي البيت، ذريعة مناسبة ومكرّرة لاحتواء مجموعة متنوعة من الشخصيات، والحكايات، واللهجات. هو خيار مسرحي بالدرجة الأولى، وليس سينمائياً، حيث يفترض أن السينما لا يهمّها أين تتحرك الكاميرا، كما يمكنها أن تلاحق شخصياتها في أي فضاء، بينما يبحث المسرح عن ذرائع لالتقاء الممثلين على مساحة الخشبة. لعلّ اختيار المكان الواحد في هذا الفيلم هو أولاً تقشّف إنتاجي، وقد يدعم هذا الاستنتاج اعتماد المخرج على ممثلين يقفون للمرة الأولى أمام كاميرا السينما، من دون أن يدعمهم بالخبرة والنضوج اللازمين.
 
يبدو الفيلم كأنه يعمل ضدّ نفسه؛ يعمد إلى جمع هذا التنوّع تحت سقف واحد، ثم سرعان ما يحوّل الشخصيات إلى نمط ولون ثابتين. إنهم يتحدثون بإيقاع واحد بطيء، هو أداء محمد ملص نفسه كما شاهدناه في أعمال سابقة مؤدياً للحوار. إيقاع بطيء مع نزوع إلى الأداء الشعري، حتى وإن كان الكلام فارغاً من الشعر. من هنا يمكن القول إن الفيلم يشبه محاولة شاعر ناشئ أراد أن يدبّج قصيدة ما، فراح يصفّ الكلام من غير معنى. شيء من قبيل مربّى النارنج، إلى جانب صوت الرعد، وهطول المطر اللذيذ خلف الشبابيك الزجاجية، فيما العشاق يندسّون في الأسرّة، بعد كلمات ثلاث، خلف غلالات شفافة مثيرة للمخيلة. 
 
جميل أن يبني الفيلم على حكايات وسمات واقعية لدى الممثلين، مثل أن يأتي بنحاتة شابة تؤدي في الفيلم دورها في الحياة كنحاتة، أو أن يبني على شخصية معتقل سابق هو المخرج والكاتب غسان جباعي، ليؤدي دوراً شبيهاً بما حدث له حين اعتقل، أو أن يأتي بسيدة لاجئة لتقول عبارة واحدة في الفيلم بخصوص موت زينة. لكن لا يريد الفيلم أن يتابع البحث أكثر عن التمايز، هكذا بدت الشخصيات كلها وكأنها تقرأ الماغوط، وأشعار أبي تمام، وأن لديها هذا القدر من الشغف بالمسرح أو السينما. 
 
اللقاءات بين الشخصيات قليلة، فكأنها تسير بخطوط متوازية، لا تتقاطع إلا بكلمات بسيطة لا تقرب الحوار. تبدو كل شخصية كأنما تريد أن تفرغ مونولوجها الخاص وتمضي، مع تركيز على شخصية واحدة، كانت باردة من فرط التكرار وخواء القول، هي شخصية غالية التي ولدت يوم انتحار زينة، هذه التي أقدمت على الانتحار بعد اعتقال أبيها. بما يوحي بأن الفتاة التي انتحرت حلّت فوراً في جسد فتاة أخرى. ما من معالجة تذكر لموضوع التقمّص هذا، وكنا قد ظننا أن المخرج يرمي إلى الإشارة إلى أحداث حماة 82، غير أنه نفى ذلك من قبل. 
 
إلى جانب زينة سنتعرّف على الشاب الملقّب بـ"سينما" لولعه بالسينما، وحمله الدائم للكاميرا، بناء على وصية أبيه الذي قال له أن يصور كل ما تصل إليه يداه. من هنا يمكن أن ندلف إلى موضوعة أساسية في الفيلم هي السينما (وللتذكير: كان الفيلم أثناء التحضير يحمل اسم "ناموا سينما"..). حيث يبدأ الفيلم بالمخرج الشاب "سينما" يقول لقبر الراحل عمر أميرالاي "كسرنا الخوف"، وينتهي الفيلم مع خبر استشهاد السينمائي الشاب باسل شحادة. هنا يجّن حسين (ناشط سياسي)، يلقي بجهاز التلفزيون من الشباك إثر سماعه النبأ، ثم يأخذ سلّماً ليصعد إلى السماء كي يصرخ "حرية". وهنا نهاية الفيلم على وقع صوت انفجار.

daily1-753850.jpg
 
الفيلم إذاً لا يتنصّل من المطالبة الصريحة بالحرية، ومن انتقاد قوي للنظام المستبدّ، خصوصاً وهو يستعيد تجربة اعتقال غسان، والذي راح يروي ويقرّع ويتساءل مكرّراً: "ليش"، فيما ينتفض محمد زرزور، المتصوّف الشاب، مطالباً بإيقاف الفيلم القاسي الذي يعرضه زميله عن تجربة الاعتقال تلك. يعرض فيلم ملص فظاعة النظام ليس عبر صور مباشرة، بل عبر انعاكاساتها على حياة الشخصيات، كما حدث حين صور الانهيار الذي يصيب صاحبة المنزل بعد عودتها من الصلاة في الجامع الأموي ورؤيتها ما رأت. لكن، هل هذه المواربة ضرورية إلى هذا الحد في فيلم يقول في إحدى عباراته "انكسر الخوف"؟ كيف يخاف فيلم صُوّر أيام الثورة إلى هذه الدرجة فيما صوّرت أفلام في عهود أقسى قبل الثورة (فيلم "الطوفان" لعمر أميرالاي على سبيل المثال). 
 
لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها بالتأكيد، وليس في إمكاننا أن نطالب المخرج بما لا طاقة له على احتماله.
 
لا شك في أن الفيلم تضمّن لحظات مؤثرة، خصوصاً في بعض مشاهد محمد زرزور ونوار يوسف وغسان جباعي. لكن لا شك أيضاً في أن التمثيل عموماً جاء هشّاً للغاية. ردود أفعال الممثلين تثير الشفقة، لا حوار يسندهم. لا يريد لهم المخرج أن يخرجوا عن صوته، لا يريد لهم أن يقولوا شيئاً، ولا أن يقول.
 
increase حجم الخط decrease