الأربعاء 2013/06/26

آخر تحديث: 02:51 (بيروت)

حقيقة الرواية وكذبها

الأربعاء 2013/06/26
حقيقة الرواية وكذبها
increase حجم الخط decrease
هل تقول الرواية الحقيقة أم تكذب؟ مُطالبَة بالانتصار للحقيقة؟ كيف تقدّم الرواية الحقائقَ في حين أنها لعبة أدبية فنية؟ هل تخلق الرواية حقائقها عبر أكاذيب الروائيّ وشخصيّاته؟ لماذا يتصاعد الحديث عن الرواية والحقيقة وضرورة عدم تقديمها الأكاذيب؟ هل الحقيقة في الفنّ عموماً هي الخير المطلق، ولماذا يتمّ الحديث عن الكذب بنوع من النبذ والاستياء؟ ألا يستحقّ الكذب أن يكون مصدر حفاوة وتقدير، لا سيّما أنّه يغدو الوسيلة لتقديم الكثير من الحقائق والمقترحات في الرواية؟ هل الكذب في الرواية مِلحُها؟ وذلك جرياً على مثل رائج بأنّ الكذب ملح الرجال، وإن كان يحتمل الجدال المتجدّد. هل يمكن القول بأنّ أعذب الروايات أكذبها، أم العكس؟ وأيضاً جرياً على القول الشهير بأنّ أعذب الشعر أكذبه. وهنا أيضاً احتمال اختلاف وخلاف. ألا يُظلم الروائيّون والفنّانون عموماً لدى مطالبتهم بكتابة الحقائق؟ ألا يكون ذلك تعديماً للخيال الخلاّق ودوره في خلق عوالم غريبة؟ هل يؤرّخ الروائيّ الحقائق أم أنّه يختلق حقائقه التي يدبّجها بفنون القول والكتابة؟
 
حين يمهّد بعض الروائيّين لرواياتهم بمقولة تشير إلى أنّ أيّ تشابه بين شخصيّات الرواية والواقع محض مصادفة لا غير، هل يمهّد بذلك الطريق إلى البحث عن الشخصيّات الواقعيّة في لعبة الرواية؟ وهل يكون التنويه مثيراً لفضول القارئ لنبش التقاطعات بين الواقع والرواية، أم أنّ ذلك يندرج في سياق التهرّب الواجب من الاستجواب المتوقَّع، ويعدّ تبرّؤاً من المساءلات بالإحالة إلى المصادفة التي تلعب دوراً في بثّ الواقعيّة في شخصيّات متخيّلة؟ هل الخشية من مواجهة الحقيقة الواقعيّة تدفع الروائيّ إلى الالتفاف على الحقيقة بزرع التشكيك فيها وإحالتها إلى الخيال؟ هل يكون التنويه محفّزاً على حقيقيّة الشخصيّات وواقعيّتها، وما الحديث عن المصادفة إلّا رغبة في التأكيد لا التشكيك؟ وهل يكون ذلك للقطع عن الواقع أم لزيادة الصلة والربط به؟
 
في استعراضه وتحليله لأهمّ الحيل والمناورات التي يعتمدها الروائيّون ويلبسونها للشخصيّات الروائيّة، وتندرج في إطار الفنّيّات أو التقنيّات المستخدمة، قارب الفرنسيّ رينيه جيرار الخدع الروائيّة المرتكزة عبرها الحقيقة الناشئة عن وَهْم أو حلم أو توق في كتابه "الكذبة الرومانسيّة والحقيقة الروائيّة". إذ خلص إلى أنّ الرواية تصنع حقائقها الخاصّة، وتقدّمها في إطارها، من دون أن تُرغَم على تعميمها وتسييدها.
 
الحقيقة الروائيّة تظلّ منطلقة في عالم الرواية، وقد تتماثل مع الواقع أو تتقاطع معه، لكن لا يمكن الجزم بقطعها أو انقطاعها، ذلك أنّ الكذبة الرومانسيّة تبرعم في الرواية حقائق روائيّة تفرض نفسها عبر المطابقة الواقعية. 
 
ربّما يختصر الإيطاليّ إيتالو كالفينو، في ردّه على سؤال، العلاقة بين الكذب والحقيقة لدى الروائيّ. سُئل: "هل الروائيّون كذّابون؟ وإن لم يكونوا كذلك، فما نوع الحقيقة التي يقدّمونها؟"، فأجاب: "ينطق الروائيّون بكِسرة الحقّ المخبّأة في قاع كلّ كذبة".
increase حجم الخط decrease