الأربعاء 2014/08/20

آخر تحديث: 14:27 (بيروت)

سميح القاسم و"شرنقة القضية الفلسطينية"

الأربعاء 2014/08/20
سميح القاسم و"شرنقة القضية الفلسطينية"
شاعر الزمن النضالي
increase حجم الخط decrease
غيّب الموت، أمس الثلاثاء، سميح القاسم (75 عاماً)، بعد "صراع مع السرطان"، حسبما جاء في بيان النعي. هذه العبارة التي باتت رديفاً للتراجيديا في حياة الانسان، إذ لا أحد ينجو من جحيمية هذا المرض الفتاك، صار لعنة في الحياة. لم يمنع السرطان سميح القاسم من السيجارة في سنواته الأخيرة، مع أنه كان يقول: "أنا لا أحبك يا موت.. لكني لا أخافك.. وأعلم أن سريرك جسمي.. وروحي لحافك.. وأعلم أني تضيق علي ضفافك".

مع رحيل سميح القاسم، يمكن أن نستعيد ما كتبه أميل حبيبي في تقديمه لكتاب "الرسائل" بين محمود درويش وسميح القاسم، وأطلق عليهما اسم "شقّيّ البرتقالة الفلسطينية". الأرجح أن الكثير من الأدباء والكتاب ساهموا في تكوين البرتقالة الفلسطينية ورحلوا، بدءاً من أميل حبيبي مروراً بتوفيق زياد وأبي سلمى ومحمود درويش وإدوارد سعيد، والآن سميح القاسم. هؤلاء صناع "صورة" الثقافة الفلسطينية في مراحل مختلفة، مع تفاوت واختلاف في تجربة كل منهم. فمحمود درويش استطاع تخطي مرحلة "الشعر النضالي" إلى آفاق أرحب وأوسع، بالمعنى الشعري والوجداني، وبقي توفيق زياد والقاسم داخل "شرنقة القضية الفلسطينية".

والغريب واللافت أنه برغم مؤلفات سميح القاسم الكثيرة والمتنوعة، تعرّفه معظم وسائل الإعلام بأنه كتب قصائد معروفة، مغنّاة في أنحاء العالم العربي، منها قصيدته التي غناها الفنان اللبناني مرسيل خليفة: "منتصب القامة أمشي .. مرفوع الهامة أمشي… في كفي قصفة زيتون… وعلى كتفي نعشي، وأنا امشي وأنا أمشي". ربما تكون هذه القصيدة من أسوأ ما كتب سميح القاسم، وإن كانت راسخة في الذاكرة والوجدان وساهمت بقوة في النضال وتمجيد النعوش، وهي من دون شك تدل على اللاقراءة عموماً ولاقراءة الشعر خصوصاً.

فأن يتم التركيز على قصيدة تعبوية لشاعر كتب نحو 70 كتاباً فهذه معضلة فعلية. وهناك نوع آخر من القراء (ربما منهم كاتب هذه السطور) يركزون على "لاطهرية الموت"، بمعنى أنه إذا مات شاعر أو روائي، فليس علينا أن نشرع في رثائه ومدحه والاثناء على عظمته لمجرد أنه رحل، وإن كان هذا هو السائد في العالم العربي. والقراءة النقدية للشخصيات، من دون عواطف، لها أيضاً سلبياتها، تتجلى أحياناً في تهميش البعض لكتابات الشاعر أو الكاتب، والتركيز على سقطة ارتكبها في حياته، مثل القصيدة التي كتبها سميح القاسم في رثاء حافظ الأسد العام 2000، عندما اعتبره "أسد العروبة". كان عابراً وَقع هذه القصيدة حين ألقاها القاسم. أما اليوم، فالأمور تبدلت مع اشتعال الأحداث والحرب في سوريا، وما حملته من انقسامات وإفرازات ومجازر وانتهاكات. لم يعد هيناً التسامح مع مَن مدح حافظ الأسد أو أنجاله. وعلى هذا، وجدنا مغالاة في نشر قصيدة القاسم "الأسدية" في "فايسبوك"، مع أن معظم الشعراء العرب لديه سقطات، إما في مدح هذه الزعيم أو ذاك، أو في الولاء لتنظيمات فاشية، أو في الولاءات الطائفية من سعيد عقل إلى أنسي الحاج، ومن نزار قباني الى أدونيس. وهناك المئات ممّن تباروا في مدح الأسد ورثائه، منهم الجواهري وجوزف حرب، إلى جانب العديد من الشعراء المغمورين.

لا شك في أن سميح القاسم كان اسماً لامعاً في مرحلة من المراحل، خصوصاً في أوج القضية الفلسطينية والصراع المسلح والانتفاضات. وهو حافظ على اسمه، لكن شعره تراجع في السنوات الأخيرة، أو تراجع حضوره، بسبب تراجع وهج القضية الفلسطينية أولاً، وتراجع الشعر نفسه أمام الأجناس الأدبية الأخرى ثانياً. ومَن يستعيد كتابات نقدية عن سميح القاسم، يدرك مدى حضوره، على أن الكتابات نفسها لا تنفصل عن الايديولوجيا التي ينتمي إليها الشاعر أو التي كانت سائدة. فهو "شاعر المقاومة الفلسطينية"، وهو "شاعر القومية العربية"، وهو "الشاعر العملاق" كما يراهُ الناقد اللبناني الراحل محمد دكروب، والشاعر النبوئي، كما كتَبَ الدكتور إميل توما، وهو "شاعر الغضب الثوري" على حد تعبير الناقد المصري رجاء النقاش... إلى ما هنالك من تعابير متورمة لا جدوى منها.

نبذة
ولد القاسم في مدينة الزرقاء الأردنية في 11 أيار/مايو 1939 لعائلة فلسطينية من قرية الرامة، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة، وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.

سجن أكثر من مرة كما وُضع رهن الإقامة الجبرية، وطُرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه السياسي. قاد حملات ضد التجنيد الذي فرضته اسرائيل على الطائفة الدرزية التي ينتمي اليها. أسهَمَ في تحرير صُحف "الغد" و"الاتحاد" ثم ترأس تحرير جريدة "هذا العالم" العام 1966، قبل أن يعود للعمل مُحرراً أدبياً في "الاتحاد"، ثم أصبح أمين عام تحرير مجلة "الجديد"، ثمَّ رئيس تحريرها. وأسَّسَ منشورات "عربسك" في حيفا، مع الكاتب عصام خوري العام 1973...

 توزّعت أعمال سميح القاسم بينَ الشعر والنثر والمسرحية والرواية والبحث والترجمة. وتُرجم بعض أعماله وقصائده إلى الإنكليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية، ولغات أخرى.
increase حجم الخط decrease