الأحد 2015/01/25

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

في ذكرى يناير... أفوّض مَن يَعِد بالقضاء على الملل

الأحد 2015/01/25
في ذكرى يناير... أفوّض مَن يَعِد بالقضاء على الملل
تظاهرات شارع طلعت حرب بالقاهرة في الذكرى الرابعة لثورة يناير (غيتي)
increase حجم الخط decrease
أكتب هذه السطور بعدما أبطَلَ خبراء المفرقعات، ثلاث عبوات ناسفة، بالقرب من منزلي، وبعدما حصل جمال وعلاء مبارك على البراءة، وربما بعدما اجتمع شمل العائلة فى المنزل الآن.

أكتب بعدما أخبرني صديق من الإسكندرية أنه تمت السيطرة على طفح المجاري وأن المدينة أصبحت على ما يرام الآن، باستثناء بعض الوسخ هنا وهناك، وبعدما أكد وزير الآثار أن قناع توت عنخ آمون بخير، وأن الصورة المتداولة لذقنه المكسورة "فوتوشوب"، ورغم ذلك وعد بإحالة المرممين إلى التحقيق! وبعدما نُشرت أخبار غير مؤكدة عن الإفراج عن 100 من المعتقلين، في الجرائد التي نقلت في اليوم السابق نفي الرئيس لوجود أي معتقل.

أكتب بعدما مرت طوابير أنابيب الغاز اليوم بسلام، وعاد التيار الكهربائي بعد غياب متكرر لمدة ساعة يومياً، يجعلني تلقائيا أفكر في ما سيحدث في الصيف إذا كان هذا هو الوضع في الشتاء. وبعدما انتشرت قوات الجيش لتغلق ميدان التحرير تزامناً مع الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، رغم الإعلان عن إلغاء الاحتفالات حداداً على رحيل الملك عبدالله. وبعدما أعلنت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان إن وضع حقوق الإنسان في مصر قد تدهور بمعدل غير مسبوق... وبعدما قتلوا شيماء الصباغ ووعدوا بالبحث عن قاتلها.

أكتب مسترجعا أسئلة أربع سنوات مرت... من فتح السجون، وقتل المتظاهرين.. ما دور الداخلية، والأخوان، وأميركا؟ كيف وصل محمد مرسي إلى كرسي الحكم؟ وما الدور الذي لعبته القوات المسلحة في التحولات السياسية منذ 25 يناير وحتى الآن، ثورة أم انتفاضة أم عملية ثورية؟ هل نحن في انتظار موجه جديدة أم أن الأمور خمدت عند هذا الحد؟ ما التأثير الحقيقي للمؤسسات الدينية الرسمية على المواطن المصري؟ وما حدود التأثير خارج هذه المؤسسات؟ من يقوم بالعمليات الإرهابية داخل مصر؟ لماذا توقف الحديث عن سد النهضة؟ وما الذي يحدث في سيناء، ربيع عربي أم شرق أوسط جديد؟ من يكتب التاريخ وماذا سيكتب؟ مَن سجّل المكالمات، ومن المستفيد من التسريبات؟؟؟... إلخ

أربع سنوات ولا إجابات. فقط أسئلة تتكاثر يومياً. وحدهم نجوم الفضائيات، نجوم التسريبات، يملأون ساعات البث بمئات التحليلات والحقائق المطلقة. قلة منهم فقط أدركت أن المشاهدين قد أصابهم الملل فحاولوا استعادتهم بالعصا السحرية القديمة، وأثبتوا أنها لا تزال تعمل بكفاءة، فامتلأت الشاشات بالجدل حول الجن والعفاريت والشواذ والإلحاد، واجتمع شمل الأسرة حول مائدة عامرة بمشاهد العبث، فرحين بنجاتهم مما ابتُلي به جيرانهم فى المستنقع نفسه.

المحصلة والإجابة الوحيدة هي: لا عيش ولا حرية ولا عدالة. وإذا كانت العبرة في الخواتيم، فالثورة بالتأكيد مشروع فاشل. فمنذ اندلاعها وحتى الآن، يتم التعامل مع الثورة وكأنها مشروع له أصحاب.. خط سير وأرباح وخسائر، أو على الأقل لها رابحوها وخاسروها، هذه الرؤية كما حللها الكاتب عزالدين شكري (الذي قرر بالمناسبة مقاطعة الحياة السياسية)، لها تنويعات مختلفة. أوّلها يرى في الإخوان المسلمين أصحاب المشروع، إذ قرروا وتحركوا فعلاً لاستلام الحكم بعد طول انتظار. وهناك تنويعة أخرى، رأت في المشروع خطة لإسقاط الدولة، مؤسسة خلف أخرى ومن جهات مختلفة، تارة تكون قوى "الإسلام الجهادي" وتارة إسرائيل وأميركا، وعادة يكون لتركيا وقطر وإيران دور، يدعم هذه الرؤية أن نظريات تآمر الآخرين ضدنا تتناسل وتغير من أقنعتها وألوانها مع الوقت وجوهرها لا يزال كما هو لم يتغير.

وهناك بالطبع رؤية مغايرة تماماً، يتبناها شباب الثورة الذين يعتقدون – ربما عن حق - أنهم مَن أطلقوا ثورة يناير، وبالطبع وفقاً لهذه الرؤية فالثورة مشروع لتخليص مصر من قبضة الاستبداد والتخلف السياسي والاجتماعي.

شخصياً، كنت أميل للرؤية الأخيرة، كأي مستجد في العملية السياسية، لكن هل تخلصنا فعلاً من قبضة الاستبداد والتخلف السياسي والاجتماعى؟ ما حدث ليس أكثر من قطع فرع، ربما كبير نسبياً، من شجرة معمرة، لا أعتقد أننا نملك القدرة على اجتثاثها فعلياً. لكن تغييراً كبيراً حدث داخل من كانوا يؤمنون حقاً بفكرة التغيير. مع الوقت، أصابهم الملل وتحولوا إلى "حزب كنبة" - الاصطلاح الذي تم صكه لغير المهتمين بالعملية السياسة. لكن المختلف هنا أنهم كانوا واعين لهذا التحول، تحولوا بإرادتهم تماماً، أصابهم ما يمكن وصفه "بالعدمية السياسية" إن صح التعبير، لأن كلمة الإحباط ربما لا تصف الأمر كما هو عليه فعلاً. هل هناك كلمة واحدة يمكن أن تفسر الصمت أمام الإحساس العام بالفشل، وانسداد الأفق، وتفشي الكذب والظلم الاجتماعي والاقتصادي، والتضييق وفشل أجهزة الدولة في القيام بوظائفها الأساسية، بل تدهور البنية التحتية وتعطل المشروع السياسي بالكامل من أجل هدف غامض هو محاربة الإرهاب، وتعطيل العملية الاقتصادية بالكامل من أجل هدف أكثر غموضاً هو قناة السويس الجديدة؟ أليس من أجل هذا قامت الثورة أصلاً؟

هل هناك كلمة تصف حالة التبلد أمام مشهد الموت المذاع على الهواء مباشرة، أو حتى التوقف لالتقاط "سيلفي" في حضرة قنبلة شديدة الانفجار، وتصوير المتعامل معها الذي ربما ينفجر خلال لحظات، ثم استكمال الحياة العادية الرتيبة والمملة تماما بعد هذا كله؟  

مللتُ، وكثيرون مثلي، من البحث المضني عن إجابات، من النقد والتحليل والخبراء والمعلقين السياسيين.. الشيء الوحيد المتأكد منه أن مشاركتي الوحيدة في العملية السياسة المقبلة ستكون فقط لتفويض من يَعِد بالقضاء على الملل. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها