حالة الإجماع تلك نابعة من سلوكيات الرجل العملية، وليس الشعارات أو الحديث النظري، وهو ما كان يظهر في أروقة المحاكم عند الدفاع عن كافة الأطياف السياسية أو الطبقية، سواء سياسيين أو طلاب أو نشطاء أو حتى أفراد مستقلين عاديين، فطالما أنت مظلوم أو تتعرض للتعذيب فالرجل بجانبك سواء بالاستشارة أو التضامن أو الدفاع.
سيف الإسلام، هو من القلائل الذين تجدهم متطوعين للدفاع عن متهمين في قضية عن "الإشتراكيين الثوريين" و"حزب التحرير الإسلامي" في آن واحد، مثلما جرى في عامي 2003 و2004، ودفاعه عن المتهمين بتفجيرات طابا 2004 وانضمامه لفريق الدفاع عقب مظاهرات المحلة العمالية يوم 6 إبريل/نيسان 2008، فضلاً عن تطوعه وتضامنه في قضايا الطلاب والمعتقلين من الإخوان أو مؤيديهم، عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في 3يوليو/تموز 2013، واصفاً ما جرى في رابعة بأنه "مذبحة وجريمة".
ولم يكتف الرجل في نضاله ضد الظلم أو الأنظمة المستبدة التي حكمت مصر، بدور الناشط، فهو حصل على ليسانس الحقوق عام 1989 أثناء اعتقاله، وأسس مع الحقوقي الراحل هشام مبارك مركزاً حقوقياً يحمل اسم الأخير، عام 1999 وظل يديره حتى مرضه الأخير ووفاته، ومن خلال خبرته ألف دراسات ككتاب "الحبس الاحتياطي" وكتاب "مدى دستورية قانون الطوارئ والأحكام العرفية".
وقد دفع سيف الإسلام ثمن مواقفه في وجه الاستبداد في مصر، وذلك عبر اعتقاله في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، سواء على خلفية مشاركاته في قيادة الحركة الطلابية ومظاهراتها في السبعينات، الخاصة بمطالبة النظام بالإسراع في تحرير سيناء ، أو في عام 2011 خلال أيام الثورة المصرية لمدة يومين عقب اعتقاله يوم "موقعة الجمل".
لكن المرة الأقسى والأكبر كانت في الثمانينات على خلفية اتهامه بتشكيل تنظيم يساري سمي "بالحركة الشعبية" واعتقل خلالها خمس سنوات، وهي المرة التي تعرض فيها للتعذيب الشديد، بسجن القلعة، عبر الكهرباء والضرب.
ولعل أكثر ما يلفت النظر في وفاة سيف الإسلام هو حال عائلته وطبيعتها، فأول نواة لنشأة العائلة تشبه آخرها، فسيف الإسلام الذي تتكون كل عائلته من نشطاء وحقوقيين، بدءاً من زوجته دكتورة الرياضيات ليلى سويف، العضو المؤسس في حركة 9 مارس/آذار لاستقلال الجامعة المصرية والتي أسست في عصر مبارك، مروراً بابنته منى سيف، وصولاً إلى أكبر أبنائه علاء عبد الفتاح، المعتقل حالياً على خلفية قانون التظاهر ومعه شقيقته الصغرى سناء.
واللافت للنظر أيضاً، أن ابنته الوسطى، الناشطة منى سيف، والتي أسست عقب ثورة يناير/كانون الثاني، حركة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، قد ولدت أثناء وجوده في المعتقل أيام الثمانينات، وهو الأمر الذي حصل أيضاً مع نجله علاء، الذي ولد ابنه خالد، أثناء وجوده بالسجن عام 2011 على خلفية اتهامه بسرقة مدرعة في "مذبحة ماسبيرو".
أما التشابه الآخر بين سيف وابنه، فهو الرغبة في البقاء داخل مصر، فحينما بدأت المضايقات للرجل في الثمانينات، جاءته فرصة للهرب خارج مصر إلى لندن، لكنه آثر تسليم نفسه حتى لا يعيش في منفى ويتخلص النظام منه نهائياً، أما نجله علاء، فقد عاد إلىي مصر من جنوب إفريقيا حيث عمل مبرمجاً، وذلك عقب ثورة يناير/كانون الثاني، على الرغم من خوضه تجربة الاعتقال عام 2006 في مظاهرات استقلال القضاء.
وعن هذه الحالة التي تعيشها الأسرة، قال سيف الإسلام خلال مرضه الفترة الماضية: "سامحوني وسامحوا جيلي اللي ورّثكم السجون، والحياة في مجتمع منهار تحت حكم فاسد مستبد، والسؤال هل هتورثوا أولادكم نفس الكآبة والظلم والقهر ؟! .. "أرجوكم أوعوا.. أشعر أنني أورثت ابني الزنزانة".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث