المرشد علي خامنئي مأزوم. ضمنياً، هو يرفض الاتفاق النووي، ويشعر بالألم والحرج، والقلق أيضاً، لأنه وجد نفسه محشوراً في زاوية ضيقة. اتباعه والمتشددون يرفضون الاتفاق جملة وتفصيلاً، ويحاولون جعل كسر "الخطوط الحمراء" قضية تدين الرئيس حسن روحاني وفريق المفاوضين ومساعديه، ويأملون في رفض التوقيع والعودة إلى "الاقتصاد المقاوم"، وتصعيد العمل في المفاعلات النووية وسلاح الصواريخ.
ومن جهة أخرى، لا يمكنهم دفع خامنئي الى خوض هذه المغامرة، لأنه يعرف مدى ارتفاع كلفة هذا الرفض من جهة، ولا يمكنه الرفض بحجة انه لم يكن يعلم ما يجري في مفاوضات جنيف وفيينا وما قبلهما من جهة ثانية، لأن روحاني وفريقه اعتمد الشفافية معه وإطلاعه على أدق التفاصيل، حتى أن وزير الخلاجية محمد جواد ظريف عاد من فيينا إلى طهران قبل ٤٨ ساعة من التوقيع، ليضع أمام القيادة كلها النسخة الاخيرة للاتفاق، وبعد ذلك عاد إلى طاولة المفاوضات لتحسين بعض الشروط المتعلقة بالرقابة الدولية، وفترة العمل بالاتفاق، التي أصبحت عشر سنوات، وإضافة خمس سنوات على بعض المواقع. لذلك لم يجد أعضاء مجلس الشورى والغالبية المطلقة من المتشددين امام صمت المرشد، للتهرب من الاحراج، سوى اللجوء الى تفويض المرشد بالقرار الذي أحاله بدوره الى "مجلس الأمن القومي الأعلى" المشكل تحت إشراف المرشد نفسه.
رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني، يعمل بكل خبرته وحقده على المرشد خامنئي، ويسكب المزيد من السم الى "كأسه من السم"، إذ قال في ٢٧ تموز/يوليو: "كل مراحل المفاوضات جرت تحت إشراف وتوجيه القائد". وكان رافسنجاني قد كشف قبل ذلك أن المفاوضات جرت بمبادرة من السلطان قابوس، الذي حمل رسالة من الرئيس باراك اوباما الى المرشد والتقاه. وكُشف في ما بعد أن استطلاعاً أميركياً للتفاوض مع طهران بدأ قبل أربع سنوات، عندما تولت مؤسسة روكفلر فتح الباب عبر الاتصال مع السفير جواد ظريف والتباحث معه، وبطبيعة الحال فإن السفير ظريف نقل الرسائل الى طهران، وذلك في فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد المتشدد ولم تتوقف.
الطريف في الأمر أن خامنئي لم يجد وسيلة لمهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز شعار "الموت لأميركا"، سوى القول أمام وفد طلابي: "إذا كان صحيحاً عودة التيار الماركسي إلى الجامعات، فمن المؤكد أن المال الأميركي يدعم هذا التيار".
على الضفة الاخرى تولى الرئيس حسن روحاني التقدم ببطء وفعالية "المحدلة"، مشتغلاً على فتح طريق مختلف عما قبل مفاوضات فيينا، إذ لا يعقل أن تبقى إيران على حالها كما كانت قبل الاتفاق. في البداية، وضع خطوطاً حمراء تحت عمق التغيير فقال: "هذه صفحة جديدة في تاريخ ايران بدأت بانتخابي من الإيرانيين في ٤ أب (أغسطس) ٢٠١٣وليس في ١٤ تموز (يوليو) ٢٠١٥، عندما توصلنا الى الاتفاق في فيينا". وبدت الرسالة غير مسبوقة وواضحة، لأنها تقول لخامنئي الشعب اختار وقرر، وأنت أشرفت فقط، وفي هذا لغم كبير لموقع الولي الفقيه، الذي يرى المتشددون أن المرشد يقرر والشعب يوافق وينفذ. بعد ذلك تابع روحاني وضع النقاط على الحروف لدفن معارضة المتشددين تمهيداً للانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء والفوز بهما فقال:
نتيجة المواجهة ستقرر في ربيع ٢٠١٦.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها